(أن الأشياء لا تتم إلا بوجود أسبابها وشروطها، وانتفاء موانعها)، زال عنا إشكالات كثيرة، لا في هذه الأحاديث التي هي من أحاديث الرجاء، ولا في الأحاديث الأخرى التي هي من أحاديث الوعيد، لأن هناك أيضاً أحاديث وعيد على كبائر، لاتوجب الخلود في النار، وتجد أن الآيات فيها أو الأحاديث ظاهرها الخلود في النار، كمثل قتل المؤمن: (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً). ومثل إخبار الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن: (من قتل نفسه بشيء من الدنيا عذب به يوم القيامة). لو أخذنا بهذه النصوص لزم من ذلك أن يخلد أصحاب الكبائر في النار، وقد قال بذلك المعتزلة، والخوارج.
ولو أخذنا بحديث معاذ وأمثاله من أحاديث الرجاء لزم أن لا تضر مع الشهادتين معصية كما قال بذلك أهل الأرجاء ـ غلاة المرجئة ـ.
ولهذا كان أهل السنة والجماعة وسطاً بين هؤلاء وهؤلاء، فقالوا: آيات الوعيد يكون فيها هذا الشيء سبباً لهذه العقوبة، لكن لا ينتفي الشيء إلا بوجود شروطه، وانتفاء موانعه، والخلود في النار يمنعه التوحيد.
كذلك هذه الآيات: آيات الرجاء، وأحاديث الرجاء ـ أيضاً ـ هي أسباب، ولا تتم إلا بوجود شروطها وانتفاء موانعها. ص188 ـ 189.
19 ـ التحريم نوعان: كوني، وشرعي، فقوله تعالى: (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر). من التحريم الشرعي، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إلا حرمه الله على النار) هذا كوني كقوله تعالى: (وحرمنا عليه المراضع من قبل). ص192.
20 ـ عن عتبان بن مالك رضي الله عنه قال: أصابني في بصري بعض الشيء. فبعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أحب أن تأتيني فتصلي في منزلي فأتخذه مصلى. قال: فأتي النبي صلى الله عليه وسلم ومن شاء الله من أصحابه فدخل وهو يصلي في منزلي.
يستفاد من هذا الحديث أن الإنسان يعذر بترك الجماعة إذا شق عليه ذلك، لكف بصره، أو مرضه، أو ما أشبه ذلك.
فإن قيل: كيف نجمع بين هذا الحديث، وبين حديث ابن أم مكتوم، الذي لم يأذن له النبي صلى الله عليه وسلم، مع أنه قال: إن المدينة كثيرة الهوام، وليس لي قائد يقودني؟
فالجواب: أن في صحة هذه الألفاظ ـ إن المدينة كثيرة الهوام، وليس لي قائد يقودني ـ في صحتها نظر، ويقال أيضاً: إن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم علم أن عتبان بن مالك له عذر واضح، بخلاف الأعمى الذي لم يأذن له. ص 193.
21 ـ عن عتبان بن مالك رضي الله عنه قال: أصابني في بصري بعض الشيء. فبعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أحب أن تأتيني فتصلي في منزلي فأتخذه مصلى. قال: فأتي النبي صلى الله عليه وسلم ومن شاء الله من أصحابه فدخل وهو يصلي في منزلي. وأصحابه يتحدثون بينهم. ثم أسندوا عُظم ذلك وكبره إلى مالك بن دُخشم. قالوا: ودوا أنه دعا عليه فهلك. وودوا أنه أصابه شر. فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة وقال: (أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قالوا: إنه يقول ذلك. وما هو في قليه. قال: (لا يشهد أحد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فيدخل النار، أو تطعمه).
في هذا الحديث دليل على جواز الصلاة عند المتحدثين لأن الظاهر أن البيت ليس بكبير، وأن الذين يتحدثون يسمعهم النبي صلى الله عليه وسلم، والدليل أنه لما قضى الصلاة قال: أليس يشهد أن لا إله إلا الله؟
فهذا يدل على أنه سمع كلامهم وفهمه، فيكون فيه دليل على جواز الصلاة عند المتحدثين.
ولكن إذا كان حديث القوم يشغل الإنسان، فإنه يكره أن يصلي حولهم، إن لم يمكن إسكاتهم، فإن أمكن إسكاتهم أسكتهم، فإن لم يمكن فإنه يكره أن يصلي حولهم، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم، وأتوني بأنبجانية، فإنها ألهتني آنفاً عن صلاتي)، فدل هذا على أن ما يلهي عن الصلاة، فإنه ينبغي للإنسان أن يتجنبه، فإذا كان لا يهتم فلا بأس بذلك. ص194 ـ 195.
وفيه أن سماع الرجل لحديث القوم وهو في صلاته لا ينافي الخشوع. ص196.
ـ[فهد الجريوي]ــــــــ[23 Apr 2009, 06:12 م]ـ
¥