تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كنت استحسنت ما وقفتُ عليه من الفتاوى في التلغراف في مسألة الصوم والفطْر، وأدرجت شيئاً من ذلك في " المقتبس" كما قرأتموه، وراقني جُرأة قاضي الإسكندرية (4) على اعتماده؛ لأن التلغراف الرسمي أو الموثوق به مما لا يختلف في أمنه التزوير، وإذا أُدخل في بعض أبواب الأقضية تيسَّر به مرافق لا تحصى، ولكن الجامدين يحولون دون كل حق قديم أو حديث، وقد أُنشِئت عندنا مجلَّة دعوها بـ " الحقائق " (5) احتسب بعض أهل اليسار الاستهام بها ومعاضدتها رداً على المصلحين، وتأييداً للجهمية والقبوريين، فأصبحت مثالاً للجمود وداعيةً للبدعة، وقد أخذ يكتب فيها من يردُّ علينا في هذه المسألة (6)، واتَّخذها أعداؤنا حلبة لسباقهم، وقد سُرَّ صديقنا محمد (7) كما سررت بظهورهم، ووضوح مقدار علمهم، ثُمَّ رأيتُ الأولى جمعَ رسالة في هذا المعنى، وقريباًَ نُمثِلها للطبع، وقد سَبِرتُ فيها نظائر فقهية للوثوق بالتلغراف الرسمي وشبهه من وجوه عديدة، وعدَّلناه بما يشبهه من أحكام التواتر، والاستفاضة، والتعامل والاستقراء والإِجماع الفعلي وغير ذلك.

وكان ارتأى الأُستاذ الأكبر الشيخ عبد الرازق أفندي البيطار أن أُرسل الرسالة بعد تبييضها إلى مشاهير البلاد لأخذ آراء إخواننا الفضلاء في هذه المسألة، وأشار بإرسالها إولاً إلى سماحتكم ثُمَّ إلى الأزهر، والحجاز وغيره، فرأيت الأمر يطول، فاكتفيت بذكر الفتاوى التي وقفت عليها في ذيل الرسالة، ومع ذلك فإن كان لسماحتكم رأي في هذه المسألة ترغبون في نشره فإني أضمّه إلى الفتاوى المذكورة، وكنتم رأيتم من كتب فيها ممن لم نقف عليه، فإني آمل الإفادة عنه، وحبَّذا

أن تتزين الرسالة بفتوى قلمكم الأنور.

كان أطلعني ابن عبد الحميد على سؤال ورغب إليَّ في الجواب عنه، وأسنده إلى أمركم العالي ثُمَّ إنه بلغني أن السؤال أُرسل إلى ابن الشطي فتوقفت بسبب أن هؤلاء لا يفتون إلا بما هو معروف في كتبهم،

فخفت من اختلاف الجواب، ونحن رأينا في هذه المسألة ما قرره شيخ الإسلام، وهذا ما ندين الله به وندعو إليه، ونجيب شفاها به دائماً أو ندل على من يعمل به (8)، وقد عددت هذا نهاية في اللطف والتنزل، وإلاَّ

فكيف يفتى ومالك في المدينة.

سيدي أحب من إخواننا الأحمديين الموسرين لديكم أن ينهضوا لطبع شيء من آثار سلفهم كـ " طبقات أبي يعلى"، و " ذيلها" لابن رجب، وبعض ما لم يطبع من آثار الشيخين، وإني لأعجب غاية العجب من تقاعسهم.

كُنَّا في الأول نشكو من عدم إمكان الطبع والنشر، فها هي وجدت مطبعة الشابندر، وأمكن للنشر فلا أقبل لهم عذراً، وعندي الآن أن خير ما يوزن به المخلص للمذهب، والمحب للمشرب هو من يسعى في نشر آثاره بكل جهده، ولولا علمنا بكثرة المثرين منهم، ووجود من يدعو للحق ويحبه، ويحب أهله لما رجونا، ولكن هم كما نسمع وفوق ما نأمل ـ إن شاء الله ـ.

الأشقاء يلثمون أناملكم، ويرجون دعواتكم، والأُستاذ الأكبر بخير يهديكم عاطر السلام، ومني السلام على الإخوان كافة.

وأرجو تقديم الرسالة لمؤلف كتاب:" فصل القضاء في الفرق بين الضاد والظاء"، وسلامي عليه، ورضي الله عنكم.

.................................................. ............ في 23 ربيع الأول 1329هـ

.................................................. ................... الفقير

.................................................. ................... جمال الدين القاسمي

# وإني أنتظر الجواب بفارغ الصبر، لاسيما في رأيكم في الفتوى عن اعتبار التلغراف في الصيام والإفطار.

.................................................. ............................ م


(1) هو: أحمد عزت الأعظمي البغدادي المتوفي سنة (1355هـ)، ذكره الزركلي في "الأعلام" (1/ 170)، وذكر أن من مؤلفاته: " فصل القضاء في الفرق بين الضاد والظاء"، كما ذكره معزوَّاً إليه صاحب:" معجم المطبوعات" (1/ 393)، وذكر أنه طبع سنة 1328هـ ببغداد.
(2) محمد كرد علي.
(3) يعني " إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" لابن القيم، وهو مطبوع مشهور.
(4): الشيخ محمَّد بخيت المطيعي مفتي الدِّيار المصرية وكان إذ ذاك قاضياً في الإسكندرية له عدة مؤلفات، وتوفي سنة (1354هـ). " الأعلام" للزركلي (6/ 50).
(5) أنشئت هذه المجلة سنة (1328هـ) بدمشق، ورئيس تحريرها عبد القادر الإسكندراني؛ وانظر دراسة تحليلية لمعاداة هذه المجلة لدعاة الإصلاح وعلماء النهضة العلمية:" كتاب الإصلاح الإسلامي" لديفيد دين كومنز، ط. دار المدى للثقافة (الترجمة العربية) (ص 191).
(6) هو محمد عارف المنير الدمشقي؛ انظر: مجلة الحقائق (1/ 6/ 211 ـ 216).
(7) يعني محمد كرد علي.
(8) يعني الشيخ جمال الدين بهذا الكلام مسألة إذا طلَّق الرجل امرأته ثلاثاً بكلمة واحدة، فإنها تعتبر طلقة واحدة، وهذا الذي نصره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية ـ رحمهما الله تعالى ـ، ويعني بابن الشطي مفتي الحنابلة بدمشق، فإنهم يفتون حسب المذهب الحنبلي في هذه المسألة، وهو وقوع الطلاق ثلاثاً؛ انظر: " سير الحاث إلى علم الطلاق الثلاث" لابن عبد الهادي (ص 21، 37).
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير