بسم الله الرحمن الرحيم
إلى حضرة شيخ الأفاضل، وقدوة الأماثل، أستاذ المعقول والمنقول، ومرشد الطالبين إلى الفروع والأصول، فخر دمشق الشام، بل وذخر حلب ودار السلام، الأخ في الله الشيخ جمال الدين القاسمي متع الله
الله المسلمين بإفاداته، ونور قلوب الموحدين بأنوار تقريراته وتحريراته.
سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته.
أمَّا بعد:
فقد تلقيت اليوم كتابكم الكريم المؤرخ في أواخر ذي الحجة الحرام، وقد اشتمل على ما جبلتم عليه من المودة الحقيقية، وكدركم مما كردنا من تلك الفاجعة المقضية، ولاشك أن المودة في الله بين الإخوان تشاركم في المسرات والأحزان، وتساهمهم في حالتي الرجاء واللأواء، وطوراق الزمان، فأسأل الله تعالى أن يجزيك عني خير الجزاء، ويمتعني بحياتك مشمولةً بالنعم والآلاء، وأن لا يفقدك من أحبتك أحداً، ولا يريك سوءاً أبداً.
والمخلص الآن مشتت الفكر مشوش البال من جهة أطفال المرحوم (1)، فقد أرسلت من يجلبهم إلى وطنهم، وقبل ثلاثة أيام وصلوا ولله الحمد سالمين، وقد اشتغل فكري في تهيئة ما يستوجب راحتهم، وعمهم الآن في إسلامبول، وليس لهم من يقوم بأمرهم.
والحمد لله
على ما قدر وقضى، فإن سهام المصائب لم تزل تتوارد عليّ يميناً وشمالاً، حتى صرت للنوائب جملاً ركوباً.
ولقد أراني للرماح دريئة *-*-*-* من عن يميني مرة وشمالي
وقد، والله سئمت من الحياة والبقاء في هذه الدار، وقد أصبحت مصداقاً لقول المتنبي:
كفى بك داءاً أن ترى الموت شافياً *-*-*-* وحسب المنايا أن يكن أمانيا
ومع ما أنا عليه من البلاء فقد كلفتني الحكومة بتكاليف تشق عليَّ وليست من مسلكي، كامتحان طلبة العلوم المقيدين في بغداد وملحقاتها المطلوبين للعسكر، وحضور بعض مجالسهم؛ فضاق وقتي لذلك أشدَّ الضيق؛ وذلك علاوة على غوائل التدريس في مدرستين.
هذا، ومنشيء " مجلة العرب" أحياناً يتردد إليَّ، فإذا اجتمعت به أذكر له ما أمرتم، وسيوالي ـ إن شاء الله ـ إرسال مجلته إليكم، وهو الآن يسعى بإصلاح حروفها وورقها ليجعلها مجلة تذكر، وأسأله عما تفضلتم به عليه من أثركم الجليل، فإن وصل إليه أعرض ذلك إلى حضرة الأُستاذ.
وأما ما تفضلتم به على المخلص فقد تشرفت به، وفي العزم وضع إحدى النسختين في خزانة كتب المعارف العمومية.
وما ذكرتم عما كتب إليكم الشيخ مقبل فقد أخبرني بذلك، وسأُحَرِّرُ له الجواب على وفق ما تحبون ـ إن شاء الله ـ.
و" رد البكري" كما أنكم مهتمون بنشره كذلك الفقير، وقد كاتبت بعض علماء نجد على استنساخه فوعدوا ولم يفوا، حتى أن حفيد الشيخ محمد بن عبد الوهاب شيخ النجديين كتب لي قبل أشهر كتاباً ذكر لي فيه أن عندهم من كتب الشيخين ما ليس عند أحد، وقال: أي كتاب تريده منها فنحن نرسله إليك مع كمال المسرة.
وطلب مني بعض الكتب فأرسلتها إليه، وطلبت منه أن يستكتب لي بعض مؤلفات شيخ الإسلام ومنها " رد البكري" فلم يردني جواب إلى الآن.
وكذلك كتبت إلى حائل فإن بعض علمائها عدة نسخ فلم تسمح نفوسهم بنسخة منها، وإني لم أرَ مثل هؤلاء القوم في الشح أحداً، أصلحهم الله.
وقبل نحو شهر ورد الروَّاف صاحبكم المعهود من حائل وظفر ببعض مجلدات "الفتاوى المصرية"
ونسخ أخرى لشيخ الإسلام، فطلبت منه أن يقوفني عليها، فقال: بقيت في حائل وسترسل إلى بغداد وتصل إليك، وعلمت أن ذلك دفع منه، ورأيت عنده " الإشارات الإلهية" (2) للطوفي وهو كتاب غريب في بابه، وقد سافر إلى حلب في أواسط ذي الحجة، وقصده السفر إلى مصر لأجل طبعه.
وقد عرضت لكم سابقاً إني كتبت لبعض أصحاب آل إبراهيم أن
يحثهم على طبع بعض كتب الشيخ وسائر الكتب السلفية بعض متقدميهم كـ:" تفسير عبد الرازق"، ونحوه وكتاب:" المغني"، و " الخرقي " (3)، فأجاب قائلاً:
ذكرتم من جهة آل إبرهيم ربما يتيسر طبع بعض الكتب السلفية على يدهم، فالمخلص حريص على ما تحرصون، ولكن سيدي من خصوص الشيخ قاسم الذي كان في السياحة، وهو رجل تاجر، له في الخير بعض المآثر، إلاَّ أنه لا يرى لطبع الكتب مقاماً، فليس هو أهلا ً لأن نتذاكر معه في هذا الباب، وأما غيرهم ففيهم أمل أكيد غير أن كتب الراد والمردود لا يميلون إليها، فإذا يحصل كتب ما فيها من منافع للناس، ولم يكن فيها ما يرفع الاستئناس فنحن ـ إن شاء الله ـ ما نبقى من الاجتهاد شيئاً أبداً، فبينوا
¥