تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

سيدي العلاَّمة الأوحد، والعلم المفرد، نفعنا المولى بعلومه، آمين.

سلامٌ على المقام السامي ورحمةُ الله وبركاته.

أمَّا بعد:

فقد تناولت اليوم هديتكم الجميلة المحتوية على تلك الرسائل الجليلة، فشكرت عنايتكم على المدى بمخلص ودكم، جزاكم المولى عنَّا أحسن الجزاء، آمين.

نَجَزَ ما كنت أهت فيه من:" تاريخ الجهمية والمعتزلة "، ولعله يطبعه صديقنا محمد أفندي في مجلته، فإنه وعد بذلك قبل رحلته الأخيرة، ولمَّا يره.

وأما الآن فإني أهتم بجمع كتاب في إثبات الشرف من الأمهات؛ لأني ظفرت بفتاوى للمالكية، ورسالة لابن سودة من أعلام فاس، ومن الأسف أني لم أظفر على من تكلم على هذه المسألة بإسهاب من الحنفية والشافعية، مع أنها شهيرة الذكر، ويشير كثير من العلماء إلى قصص مع الخلفاء في هذا الباب إلا أن المواد مفقودة.

وقد مكثت من أيام مع صديقنا مفتي الحنفية بدمشق قريباً من ساعتين أراجع معه مطولات كتب مذهبه، فلم نعثر على من بسط ذلك، ولا من أسهب، ثُمَّ رأيت من عزا الفتوى بها للشرنبلالي فبقيت أنتظر مراجعة رسائله، وهي موجودة عند المفتي، وأظن شُرفاء الإمامية يعنون بهذا البحث، فقد قرأت في بعلبك بعد العيد عند السيد جواد عالم الإمامية ثمَّة في:" شرح اللمعة الدمشقية" (1) قول المرتضي في اعتماده ذلك، ولعلَّ له تأليفاً فيه.

وبالجملة فعسى مولاي أن يتحفني بما يقف عليه، ويأمر أحد تلامذته بكتابة ما يمكن نقله، فإني في تشوف ليتمم الرسالة حيث موادّها كملت، ولم يبق إلا تبييضها، ويكون ذلك من عظيم أياديه عندنا، والله يحفظه ويقبقيه لنا نداً وذخراً.

كأني فهمت ممن أوصل هديتكم أن الأمانة عنده من رمضان، وقد جمجم في الاعتذار فقاتل الله أمثال هؤلاء الذين لا يعرفون للأمانة قدراً، ولقد خجلت وايم الحق جداً من تأخر الجواب لذلك.

على أنه في هذا العام عراني في العشر الأخير من رمضان مرض انحرف فيه المزاج بسبب التهاب اللوزتين، وحضر في الأصناء الشيخ فرج الله زكي الكردي من المدينة، وعادني ثلاث مرات كل يوم مدة إقامته، واجتمع بالأستاذ الكبير عندنا، وقد شرَّف للعيادة، وقد أسفت لزيارته دمشق وأنا في هذا الحال؛ إذ لم أتمكن من معاوضته بشيء مما كان يمكمننا إطلاعه عليه من الخزانة العمومية، على أنه لم يُطل المقام مع أني حرَّضته على الإقامة إلى انقضاء العيد فأبى.

ثُمَّ بعد العيد ذهبت إلى بعلبك فحلب، وأقمت بحلب أربعة أيام، ونزلتُ عند صديقنا الحاج محمد الضالع (2)، وزرت مكتبتين نفيستين:

الأولى: في المدرسة العثمانية (3)، وقد رأيت من كتبها:" الصواعق المنزلة على الجهمية والمعطلة" لابن القيم،

في نسخة خط بديع يغلب عليه الصحة (4)، وقد حرضت الضالع على نسخه، فعساه

يستجيب، ولعلكم تحرضونه على نسخه لتكثر عندنا نسخه، وقد بلغني أن محمد حسين ناصيف اشترى نسخةً منه فعساه يوفق لطبعه؛ لأنه لم يؤلف مثله في مناقشة المؤولين.

ورأيت في خزانة مدرسة الأحمدية (5) تسعة أجزاء من:" تاريخ ابن كثير " (6)، وليست الكتاب كله، ونفائس أخرى لا يتسع الكتاب لبسطها.

وكان ذكر سيادتكم

في حلب في مجامعنا يزين حسنها، أدامكم المولى كوكباً في سماء الفضل والفواضل.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

.................................................. ... في 5 ذي القعدة سنة 1330هـ

.................................................. ................ جمال الدين القاسمي


(1) هو: " الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية" للعاملي.
(2) ذكره الطباخ في:" إعلاء النبلاء" (7/ 550 ـ 555) وكان مما قال في ترجمته:
" هو الحاج محمد بن محمود المعروف بالضالع، التاجر الأديب، كان والده من القصيم من بلاد نجد فانتقل إلى بغداد ثُمَّ إلى حلب واستقر بها، وكان قد أخذ العلم على بعض علمائها، وطالع الفقه الحنبلي، ثم أكبَّ على مطالعة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه المحقق ابن القيم وغيرها من كتاب السلف، وأخذ في الانتصار لهم، واجتمع لديه مكتبة نفسية حوت الكثير المفيد، وكان داعية إلى مذهب السلف، شديد الإنكار للبدع، وكان رقيق الحاشية، حسن الأخلاق مستقيماً في أحواله وأطواره، حسن المعاملة في تجارته"، وكان بينه وبين العلاَّمة محمود شكري الآلوسي مراسلات علمية حول الكتب توفي سنة (1337هـ).
(3) نسبة إلى باني هذه المدرسة وهو عثمان باشا الدروكي، المتوفي سنة (1160) بحلب المحمية، وهي من أعظم وأوسع مدارس حلب الشهباء في غابر الزمان.
انظر؛:" إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء" لشيخ شيوخنا محمد راغب الطباخ (3/ 258وما بعدها).
(4) طبع القسم الموجود من الكتاب عن هذه النسخة ونسخ أخرى الدكتور علي بن محمد الدخيل الله، ونشرته دار العاصمة بالرياض سنة 1408هـ.
(5) نسبة إلى واقفها، وهو القاضي أحمد أفندي بن طه زاده، المشهور بالحلبي، المتوفى سنة (1177هـ)، وهذه المكتبة أعظم مكتبة في حلب الشهباء وأنفسها؛ انظر بإفاضة:" إعلام النبلاء " للطباخ (7/ 69 ـ 78).
(6) طبع الكتاب عن هذه النسخة ونسخ أخرى بتحقيق الدكتور عبد الله التركي، ونشرته دار هجر بالقاهرة سنة 1417هـ.
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير