تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وإن كان لك أب شيخ كبير محتاج إليك، فاذكر أنه طالما تعب لتستريح أنت وشقي لتسعد، ماجمع المال إلا لك وما خسر ماضيه إلا ليضمن مستقبلك، وأنه كان يعود من عمله محطماً مكدوداً فتثب إلى حجره وتقول له: بابا، وتمد يديك الصغيرتين لتعانقه، فينسى بك التعب والنصب، ويرى المسرات كلها قد جمعت له والمتاعب كلها قد نأت عنه.

واذكر أنه مازاد من عمرك يوم حتى نقص من عمريهما مثله، ولا بلغت شبابك حتى ذهب شبابهما، ولا نلت هذه القوة حتى نالهما الضعف.

أفئن بلغت مبلغ الرجال كان جزاؤهما منك الصدود والنكران!

إن الإنسان يربي كلباً فيفي له، وحماراً فلا يرفسه، ويطعم القط فلا يعضه، بل إن من الناس من يتألف صغار الأسود والنمور وأنواع الوحش فتأنس به وتأوي إليه وتلحس يده ـ.

ويفني الوالدان نفسيهما في الولد فينسى فضلهما ويجحد يدهما؟

يا عجبا ً!!

أيكون الكلب والحمار والقط والنمر أوفى من الإنسان؟!

وقد تجد في الناس من يظهر لك من حبه أكثر مما تظهر الأم ويظهر الأب، ولكن منهم من يحبك لمالك أو لجمالك أو لجاهك وصلاح حالك، فإن ساءت الحال أو ذهب الجمال أو قل المال أعرض عنك ولم يعد يعرفك.

أما الذي يحبك لذاتك ويبقى على حبك مهما تبدلت الحال بك فهو أمك وأبوك، لاتجد مثلهما.

فمن كانت له أم أو كان له أب فقد فتح له باب الجنة، فمن الذي يمر بباب الجنة مفتوحاً فلا يدخلها؟!

إني أكتب اليوم عن موت أمي، وقد كتبت من قبل عن موت أبي، وإن كنت أتمنى أن أخسر تسعة أعشار ما أملك من مال اقتنيته وكتب ألفتها، وشهرة نلتها ومناصب تقلدتها، وأن تكون بقيت لي أمي وبقي لي أبي.ص94 ـ 96

3 ـ من عيوبي، وعلى الكاتب أن يجنب قرّاءه عيوبه، أني أؤخر كل عمل إلى آخر وقته ثم أقوم مسرعاً أعدو كالمجنون لقد تركت الحكمة العربية الصحيحة (لا تؤخر عمل اليوم إلى الغد) وأخذت الكلمة الحمقاء للكاتب الفاسق أوسكار وايلد (لا تؤخر إلى غد ما تستطيع عمله بعد غد) لقد أضاع علي التسويف خيراً كثيراً في الدنيا وأسأل الله ضارعاً إليه ألا يضيع خير الآخرة. ص198.

4 ـ من عيوبنا صفة تكاد تكون فينا معشر العرب جميعاً، بقيت من عهد البداوة، هي الإفراط في الفردية. إن كل واحد منا يشعر أنه جماعة وأنه أمة وحده، يريد النفع لبلده لكن بشرط أن يجيء على يده، فإن جاء على يد غيره نَفِسهُ عليه وتربص به العثرات والسقطات. والواعظ يدعو الناس إلى الله ويرغبهم في التقوى، فإذا اتقوا عن طريق غيره وجد عليه وربما تنكر له!.

ونحن جميعاً نكره النقد ولا نصبر عليه ونضيق بالمعارضة ولا نحتملها، إن أنت نقدت ديوان شعر صرت عدواً للشاعر وإن تكلمت عن كتاب صرت خصماً لمؤلف الكتاب، لذلك قلّت فينا الأعمال الجماعية، وإن وجدت فقدت روحها وصارت غالباً مؤسسة فردية الفعل فيها لواحد والاسم للجماعة، كأن الله خلقنا على مثال الثوم (في شكله لا في ريحه) تأخذ رأس الثوم فتقشره فتجد فيه رؤوساً أصغر منه، فاقشر أحد هذه الرؤوس تلق فيها رؤوساً أخرى صغاراً، فنحن مثل الثوم كلنا رؤوس!. ص233.

5 ـ هل قرأتم كتاب (الفرج بعد الشدة) للقاضي التنوخي؟

لقد قرأته وعمري إحدى عشرة سنة، ثم قرأته أكثر من ثلاثين مرة وحفظت قصصه كلها من كثرة ما أعدت النظر فيه، وصححت من حفظي الكثير من أخطاء النسخة المطبوعة منه، ولو وجدت له نسخة مخطوطة صحيحة لحققته وأعدت نشره لأني صرت من أعرف الناس به فاقرؤوه ـ على كثرة أغلاطه ـ تجدوا فيه ما لا تجدون مثله في كتاب آخر من صور المجتمع العباسي ومصطلحات أهله، وأحوال الموظفين وأوضاع التجار، وأقل ما تستفيدون منه أنه يهون على المحزون منكم حزنه حين يرى أن من الناس من أصابه أكثر مما أصابه. ص372.

6 ـ عرفت شعر شوقي وحافظ والمطران من قديم، ولست أدري إلى الآن ما الذي جمع مطران بهما وحشره معهما، وما هو من طبقتهما ولا من أقرانهما، وما قرأت له عشرة أبيات متوالية يقال لها (شعر) حتى قصيدته المشهورة عن بعلبك ما هي إلا تاريخ منظوم وأفكار تمشي على الأرض، ليس فيها ما يطير إلى جو الشعر!. ص392.

هذا ما تيسر إيراده من هذا الجزء ويليه بإذن الله فوائد الجزء الثالث.

ـ[احمد الدهشورى]ــــــــ[11 Jun 2009, 05:35 ص]ـ

تسجيل متابعة،

شوقتنى لقراءة كتبه.

ـ[فهد الجريوي]ــــــــ[11 Jun 2009, 02:07 م]ـ

أسأل الله أن يوفقك أخي أحمد ويبارك فيك، وأشير عليك بعدم التردد بقراءة كتبه رحمه الله، لكن لعلك تبدأ مثلاً بكتاب صور وخواطر، وفصول في الثقافة والأدب، ومن حديث النفس، وسيتملكك أسلوب الشيخ وصدق كتاباته ثم بعد ذلك يمكنك الشروع في ذكرياته رحمه الله، وأحب أن أشير إلى أن ثمة مسائل يطرقها الشيخ في بعض كتبه قد لا يوافق عليها ولكن إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث. وفي الختام أسأله سبحانه أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير