تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[أبو الفداء أحمد بن طراد]ــــــــ[15 Apr 2010, 08:25 م]ـ

على هامش المناظرة بين خلاَّف وقطب للشيخ الأديب علي الطنطاوي

ذهبت مرة أزور الأستاذ الزيات في دار الرسالة، وكانت زيارته أحبّ شيء إليَّ وأنا في مصر، وكانت دار الرسالة أقرب الأمكنة في القاهرة إلى قلبي، فلذلك كنت أؤمها كل يوم، ولولا خوفي من ملل الأستاذ ما كنت لأفارقها ... أقول إني ذهبت أزوره مرة فوجدت عنده شاباً أسمر اللون لطيفاً هادئاً تبدو عليه سيما المسألة والموادعة والإيناس، فقال لي: إني أعرِّفك بالأستاذ سيِّد قطب، وأحلف أني شدهت، وكنت أرتقب أن يكون هذا الشاب أي إنسان في الدنيا إلا سيد قطب، وكنت أستطيع أن أتخيل سيد قطب على ألف صورة إلا هذه الصورة، وازددت يقيناً بأن من الخطأ البينِّ أن تحكم على شخص الكاتب بكتابته، أو تعرف الشاعر من شعره، وفوجئت مرة أخرى بما لا أرتقب حين تفضل فأهدى إليَّ كتابه " التصوير الفني في القرآن ". لأني لم أتخيل سيد قطب إلا مقارعاً محارباً، ولم أعرفه إلا كاتباً مجادلاً مناضلاً، يهاجم مهاجماً ومدافعاً ومحايداَ .. وذهبت فقرأت الكتاب فوجدت فتحا والله جديداً، ووجدته قد وقع على كنز كأن الله ادَّخره له، فلم يعط مفتاحه لأحد من قبله حتى جاء هو ففتحه، وشعرت عند قراءته بمثل ما شعرت به عند قراءة" دفاع عن البلاغة" لسيد البلغاء الزيات، وجرَّبت أن أكتب عنهما فما استطعت، إكباراً لهما وإعظاماً لشأنهما، وكذلك الأثر الأدبي إذا هبط إلى قرارة الفساد أو سما إلى ذروة الجودة، أعجز النقاد وابتلاهم في الكتابة عنه بأضعف التكاليف، فأنا أقر بالعجز عن نقد هذين الكتابين، وعن نقد (شعر ... ) بشر فارس أو أبحاث سلامة موسى، لأن من تحصيل الحاصل أن تقول للجيد لاشك فيه، وهو جيد، وأن تقول للفاسد المتفق عليه هو فاسد، لأنك كالذي يقول للشمس أنت مضيئة ولليل أنت مظلم!

وكتب عنه أخي وصديقي الأستاذ عبد المنعم خلاف صاحب الكتاب العبقري (أومن بالإنسان)، وردَّ الأستاذ سيد وكانت هذه المناظرة التي رأيت أن أُدْخل نفسي فيها لأقول كلمة على

(هامشها .... )، وهذه هي المرة الثانية أتطفل فيها على مناظرات الأستاذ سيد قطب، ولكن ليطمئن القراء فما هي كالأولى ولا هي منها في شيء، وأنا في هذه المرة مؤيد له وقد كنت في الأولى عليه، وهذه مناظرة هادئة باسمة، وقد كانت تلك معركة صاخبة مجلجلة كالحة الوجه عابسه، وأنا أعرف الآن الأستاذ سيد قطب وكنت أتخيله تخيلاً، والأستاذ خلاَّف أخي حقيقة، والأستاذ قطب رفيقي في دار العلوم سنة 1928م على ذمة الأستاذ اللبابيدي الفلسطيني الذي نشر ذلك في الرسالة إبان المعركة الأولى (معركة الرافعي والعقاد)، فأنا لست إذن غريباً عن المتناظرين.

لَّخص الأستاذ سيد قطب الخلاف بينه وبين الأستاذ خلاف، في كلمات هي أنه (هل من الممكن أن نعهد إلى الذهن وحده بأمر العقيدة، وأن نقيم هذا البناء الضخم في الضمير الإنساني على أساس القوة الذهنية ومنطقها المعهود)؟ وأجاب بالنفي.

وأنا أجيب كذلك بالنفي، ولكني أمهد لذلك بتحديد معنى الذهن أو العقل (كما أفهمه أنا)، ومعنى العاطفة، وهذه طريقة علمائنا في الجدل، إذ ربما اختلف اثنان، وما اختلافهما في الحقيقة إلا على معاني الألفاظ، فكلٌ يريد بها شيئاً، وليس بينهما لفظ جامع يرجعان إليه، ويستقران من بعد عليه.

وأعترف بأن هذا التحديد لا يمكن أن يكون تاماً، ولا نستطيع أن نضع لكل من العقل والعاطفة التعريف الجامع المانع، أو (الحدَّ) الذي يريده أهل المنطق، لأن مدلول كل لفظ يدخل في مدلول آخر، فهما كدائرتين متقاطعتين، ففي كلٍّ قسمٌ متميِّز مختص بها، ولكن فيها قسماً

لا يدري أهو منها أم هو من الأخرى، ثم إنه لا يصدق التشبيه ولا يكمل إلا إذا تصورت في الدائرتين حركة دائمة المدِّ والجزر، فهما لا تسكنان أبداً.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير