تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وليس عنده إلا مجموعة تجاربه الحسية، فإذا جاوزها كان كالعدم، وحسب العقل هواناً في المجرَّدات، أنه ينكر أقدس شيئين في الوجود لا يستطيع أن يفهمها: الحب والإيمان. سل العقل، ما الحب؟ ينبئك بأنه جنون! وما الفرق عند العقل بين ليلى ولبنى، وسلمى وأي امرأة أخرى، مادامت الغاية عنده الحمل والولد وبقاء النسل؟ ومن يُقْدم في الحرب على الموت، هل كان يقدم لو نزعت الحماسة من نفسه وهي عاطفة وتركته لعقله ولما يحسن العقل من محاكمات جافة؟ هل يجود لولا هزَّة الأريحية جواد بنوال؟ هل يقبل إنسان على تضحية أو بذلك لولا العاطفة؟ هل يعرف العقل إلا المنفعة لقد أحسن التعبير عن العقل المتنبي حين قال:

الجود يفقر والإقدام قتال

* * *

سيقول قائل، إن أساس الإيمان، الاعتقاد بوجود الله، فهل هو غريب عن العقل؟ لا, إن الاعتقاد بوجود الله من بديهيات العقل، فلا يعيش عقل بلا اعتقاد بإله كما يقول (دور كايم)، والإنسان بهذا المعنى حيوان ذو دين، وذلك أن تجارب العقل ومحسَّات الحواس التي يستند في حكمه إليها، توصل حتماً إلى الاعتقاد بوجود إله، وسواء كان منشأ هذا الاعتقاد الخوف أو التطلع إلى المجهول، كما هو مبين في كتب الميتافيزيك، فلا شك في أنه بديهي، أما ما عاده من شعب الإيمان بالمغيبات، والقضاء والقدر، فلا يستطيع العقل أن يقيم الدليل على نقضها ولكنه لا يستطيع أبداً فهمها، ولا أظنني بحاجة إلى بيان الفرق بين الاعتقاد بوجود شيء وبين فهمه ومعرفة حقيقته، هذا وليس من مصلحة الدين ولا المتدينين أن نخلَّي بين العقل وما يجب الإيمان به، بل المصلحة بالاطمئنان العاطفي والتصديق القلبي وما يعقبه من اللذة والاطمئنان. وهؤلاء العلماء المتكلمون الذين كانوا من رأي الأستاذ خلاف والذين حالوا أن يجعلوا الإيمان إيمان عقل، عادوا كلهم وأنابوا واعترفوا بأن الإيمان بالقلب، هذا (ابن رشد) وناهيك به، عاد فقال في تهافت التهافت (الذي يرد به على الغزالي في كتابه تهافت الفلاسفة): لم يقل أحد من الفلاسفة في الإلهيات شيئاً يعتدُّ به (1)، وهذا الآمدي وقف في المسائل الكبار وحار، و (الغزَّلي) انتهى إلى التصوف والتسليم، وهذا الفخر الرازي قال بعد تلك المؤلفات الطوال:

نهاية إقدام العقول عقال *-*-*-*-* وآخر سعي العالمين ضلال

ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا *-*-*-*-* سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا

ولقد تأملت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلاً، ولا تروي غليلاً، ورأيت أقرب الطرق طريق القرآن، اقرأ في الإثبات، الرحمن على العرش استوى، واقرأ في النفي ليس كمثله شيء، ومن جرَّب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي". انتهى كلامه .... وكلامي! وعلى الأخوين الكريمين خلاَّف وقطب تحيتي وسلامي.

* * *


(1) وهذا ما يقوله في العصر الحاضر (كانتْ)، والفلاسفة الذين يُعْتدُّ بقولهم وهو الحق.
((((((من كتاب فكر ومباحث، للشيخ الأديب علي الطنطاوي ص (25ـ30) مكتبة المنارة))))))))))))))

ـ[فهد الجريوي]ــــــــ[14 May 2010, 02:19 م]ـ
2 ـ قرأت السيرة من ألفها إلى يائها فلم أجد أحداً من المسلمين دعا الرسول أو لجأ إليه إذا حاق به الخطب الذي لا يقدر البشر على دفعه، وإنما كانوا يلجؤون إلى الله ويدعونه، لايقولون مقالة البوصيري:
يا أكرم الرسل، ما لي من ألوذ به
سواك عند حلول الحادث العمم

ولا قول الآخر يخاطب عبد الله ورسوله بهذا الخطاب الذي لا يخاطب به مؤمن إلا الله وحده:
يا أكرم الرسل على ربه. . .
عجل بإذهاب الذي أشتكي
فإن تأخرت فمن أسأل
لا يدري من يسأل إذا تأخر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإذهاب الذي يشتكي وهو يقرأ كل يوم سبع عشرة مرة (على أقل تقدير): (إياك نعبد وإياك نستعين)!.
ولم أجد صحابياً لجأ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته يستشيره في أمر أو يراه في منام فيبني على رؤياه حكماً ويأخذ منها علما ًولقد اختلفوا على الخلافة والنبي صلى الله عليه وسلم مسجى في بيته لم يدفن فما فكروا أن يلجؤوا إليه وأن يستشيروه. وهل يستشار الميت؟.
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير