تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

- وأيضا فلا يمكن أن يستقيم قول من يطلق القول بالعذر بالجهل مطلقا بل لا يكون عالما بالشريعة قط من يطلق القول بالعذر أو عدمه دون تفريق بين المسائل الظاهرة والمسائل الخفية الدقيقة ولا بين المتمكن من العلم المعرض عنه والعاجز عنه الذي لم يبلغه منه شيئا مع طلبه له وبذله فيه، ولا بين ما يشترط من العلم لتحقيق أصل الدين وما لا يشترط له ذلك ثم وضع الضوابط الصحيحة لهذه الفوارق بعد تقريرها ...

- فإطلاق القول بالعذر من غير مراعاة هذه الضوابط لا يستقيم مع قواعد الشريعة مطلقا بل لا يقول به عالم قط ...

-فإذا كان من يشرك بربه جهلا مسلم في الدنيا ناج في الآخرة وأنه يحتمل إذا علَم ونبه عاند وكفر فلبقائه على الجهل حينئذ أولي من تعليمه!

-وصدق الشافعي رحمه الله حيث قال: (لو عُذِرَ الجاهل؛ لأجل جهله لكان الجهل خيراً من العلم إذ كان يحط عن العبد أعباء التكليف و يريح قلبه من ضروب التعنيف ... )

-وأيضا فإن إطلاق القول بالعذر بالجهل لا يستقيم معه استثناء الكثير من صور الكفر بغير دليل، فساب الدين والهازل به وساب الرسول والمستهزئ به صلى الله عليه وسلم يكفر وإن جهل! ومن يقول إن الله ثالث ثلاثة يكفر وإن جهل، ومن يقول بأن الله هو المسيح ابن مريم يكفر وإن جهل! ومن يسجد للصنم يكفر وإن جهل ومن يسجد للشمس والقمر يكفر عند بعضهم وإن جهل وهكذا كلما استعظموا صورة من صور الكفر أخرجوها بلا دليل!

- فإن قيل أنتم تجزمون أن ما أتيتم به من أدلة يقطع بعموم العذر بالجهل.فهلا ذكرتم الدليل على إخراج هذه الصور؟ أجابوا بأن هذه الصور لا يتأتى فيها الجهل! والواقع يكذب هذه الدعوى والفرض في أنهم جهلة ليس ممتنعا. ولقد أثبت أحد الأكابر الجهل بمثل هذه الصور وقرر عذرهم فيها بسوء التربية! ثم يقال أيضا أين ذهبت البراءة المجملة والإيمان المجمل الذي عند هؤلاء؟ ولماذا لم تمنع البراءة المجملة من تكفيرهم كما منعت من تكفير غيرهم ممن أشرك مع اشتراكهم في الجهل؟!

- إني أتمنى من علمائنا الأفاضل أن يراجعوا أقوالهم مرة أخرى ويعيدوا قراءة المسألة من جديد وان يراجعهم طلابهم ومحبوهم لعل الله أن يفتح عليهم ويرجعوا لأصول أهل السنة في هذا الأقوال حتى وإن بقي الخلاف حول مسالة العذر بالجهل كما هو ولكن دون التزام هذه الأقوال والله المستعان.

-أما ما يقال في هذه المسالة وما يتعلق بها من أصول فهو باختصار شديد:

- إن حقيقة الإسلام التي أرسل الله بها الرسل وأنزل بها الكتب منذ خلق الله الخلق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها هي أن يعبد الله سبحانه بلا شريك وأن يعبد بما شرع على ألسنة رسله، فمن لم يأت بهذا فلس بمسلم سواء كان جاهلا أو عالما وسواء قلنا بعذره أو لم نقل بذلك فالجهة منفكة، فلا يجتمع مع التوحيد شرك إلا أفسده ولا مع الإيمان كفر إلا أحبطه، فأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، وأن من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار،وأنه من يشرك بالله فقد حرم عليه الجنة ومأواه النار، ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون، فهذه حقيقة دين الإسلام وهذه إطلاقاته التي لم تقيد وعموماته التي لم تخصص وأصوله التي قام عليها.

- فالإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له والإيمان بالله ورسوله فما لم يأت العبد بهذا فليس بمسلم فإن لم يكن كافر معاندا فهو كافر جاهل.ومن يقل إن هذا الإسلام خاص بالكافر الأصلي فلا يستحق أن يوجه إليه الخطاب ابتداء!

-والإيمان والكفر متقابلان لا يجتمعان ولا يزولان عند أي إنسان، والكفر يثبت بترك الإيمان أو بفعل ما يناقضه فهذا هو المنطلق الأصيل في هذه المسالة.

- ومما ينبغي التنبيه عليه أن الجهل كمانع يختلف عن غيره من الموانع الأخرى كالخطأ والنسيان والإكراه لان الجاهل إذا فعل الكفر والشرك فهو يفعل ذلك مختارا قاصدا لهذا الفعل ولذا فإن جهله لا يمنع من وصف فعله بالكفر ولا يمنع أن تقوم بصاحبه حقائق الكفر، وليس ذلك في المكره والناسي والمخطئ فلا يطلق على قولهم الكفر ولم تقم في أنفسهم حقائقه حيث انتفت لديهم الإرادة والاختيار التي تعتبر بها الأعمال وتتنزل عليها الأحكام، تماما كأفعال الجمادات والعجماوات ليس لها توصيف شرعي، فالمكره لم يرتكب كفرا أصلا والناسي والمخطئ كذلك

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير