بخلاف الجاهل الذي قصد فعله وأراده،ولكنه جهل حكمه، فيلزمه بذلك اسمه ووصفه ثم ينظر بعد ذلك في عذره.
- ومع ذلك فإن الإسلام يثبت للمرء بالنطق بالشهادتين أو بالولادة لأبوين مسلمين أو أحدهما أو بتبعية الدار أو بفعل ما يختص به المسلمين من شعائر.
وهذا إسلام حكمي يثبت لكل من جاء به ويثبت للمؤمن والمنافق والصغير والمجنون.
- وما يذكره بعض الأفاضل من أدلة في مسالة العذر بالجهل لا يفيد العموم مطلقا بما يتضمن نقض حقيقة الإسلام من التوحيد ونبذ الشرك فليس ثمة نص في المسالة يفيد هذا العموم وهذا هو المنطلق الثاني في تقرير هذه المسالة.
- وما ذكروه من أدلة يمكن جعله على أقسام:
- قسم يختص بمسائل العذاب وان الله سبحانه لا يعذب إلا من قامت عليه الحجة بالرسول، وهذا حق نقول به ونعتقده فإن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحدا إلا من قامت عليه الحجة بالرسول لقوله جل شانه (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) ولكنا مع ذلك نثبت انفكاكا بين استحقاق العذاب وبين الوصف الشرعي لمرتكب الكفر والفسق وغير ذلك حيث لا تلازم بينهما، فالمنافق مثلا يحكم له بالإسلام في الدنيا ومع ذلك فهو من أشد الناس عذابا في الآخرة، وأطفال الكفار ومجانينهم كفار في الدنيا ومع ذلك فالخلاف في تعذيبهم في الآخرة حاصل بين أهل السنة، ومن نحكم عليه بالفسق والبدعة في الدنيا قد يحول دون عذابه في الآخرة حسناته العظيمة أو شفاعة شافع أو عفو من الله سبحانه وتعالى .. وهكذا
فإذا ثبت الانفكاك وعدم التلازم فلا يصح الاستدلال بهذه الأدلة على رفع الوصف الشرعي الثابت للمكلف والمنوط بفعله أو قوله.
وهذا الكلام قد ذكر مرارا ولكن الإخوان لا يملون من تكرار الاستدلال بهذا النوع من النصوص!
- أما القسم الثاني من الأدلة فبعضه حق لدلالته على العذر بالجهل ولا ينكر ذلك إلا مكابر، ولكنا نقول كما سبق بأنه ليس شيئا من هذه الأدلة يصح في الشرك بالله وعبادة غيره ونقض حقيقة الإسلام ومجموع الأدلة لا تفيد العموم الذي يتضمن ذلك.
فنقول حيث جاءت هذه النصوص تطبق فيما جاءت فيه وفيما هو من نظيره فهذا هو الصحيح فيها إن شاء الله.
- وغالب ما يذكر من هذه النصوص يمكن أن يقال بأن صاحبها في حال مظنة جهل لعدم البلوغ أو التمكن من العلم كحديث عهد بالإسلام أو من في مكان لا يصله العلم أو في المسائل الخفية كحديث الذي أمر أهله أن يحرقوه إذا مات، وحديث عائشة رضي الله عنها وسؤالها النبي عليه الصلاة والسلام: مهما يكتم الناس الله يعلمه؟ – إن صحت الرواية بذلك – فهذا جهل بكمال القدرة وكمال العلم مع إثبات أصلهما وإلا فإن كان ينفي القدرة ابتداء فلم يأمر أهله أن يحرقوه أصلا؟ وممن يخاف؟ أما صفة العلم فقد كان المشركون يثبتونها قبل البعثة (خلقهن العزيز العليم) فهل تجهل عائشة أم المؤمنين هذه الصفة؟
والحق أن هذه النصوص وما شاكلها إنما يصلح للاحتجاج به في المسائل الخفية والمسائل الدقيقة سواء في مسائل الأصول أو مسائل الفروع والتي يخفى دليلها في نفسها ولا تشتهر عند أكثر الناس وهذه لا إشكال في عذر من يخالف فيها لمظنة الجهل بها، ولكن يحتج بهذه النصوص على ما جاءت فيه وما هو من نظيره ولذا فإن شيخ الإسلام رحمه الله وفي قرابة ثلاثة عشر موضعا من كتبه يحتج بهذا الحديث على عدم تكفير أصحاب المقالات من أهل البدع من المعتزلة وغيرهم ممن تكلموا في مسائل الصفات والقدر وغيرها فإنها من خفي المسائل ودقائقها حتى قال ابن الوزير رحمه الله: إن هذا الحديث أرجى حديث لأهل الخطأ في التأويل.
فهذه الأدلة وما في معناها حق لا إشكال فيها نقول بها ونصدق بدلالتها على ما جاءت فيه وليس منها شيء في الشرك الأكبر ولا في ما ينقض حقيقة الإسلام، ومن ذلك ما ذكر من قصة ذات أنواط فنفس القول الذي صدر من الصحابة ليس بكفر وإن كان يشبه بوجه قول الكفار وهم قالوا ولم يقيموا على قولهم بل رجعوا في الحال لتحذير النبي وغضبه من هذا القول الذي شبهه بقول بني إسرائيل اجعل لنا إلها، وهو نفس الغضب الذي انتابه عليه الصلاة والسلام لما قال له الرجل ما شاء الله وشئت فقال أجعلتني لله ندا فمثَل هذه الكلمة بجعله لله ندا.ولا شك أن من جعل لله ندا فهو كافر، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام كان بأقواله وأفعاله يقطع كل علائق
¥