ما يكون على الناس، بل على خاصة الناس من بعض الدعاة وطلاب العلم! فلا مصلحة شرعية من تكفيرهم ثم تركهم على ما هم عليه من الشرك، أو تكفيرهم ثم دعوتهم بعد ذلك حيث أن النفس تأبى ذلك اشد الإباء.فإن التكفير أشد ما ينفر منه الناس، حتى إن الكافر الأصلي لا يقبل أن يوصف بالكفر ويروى أنه ما اشتد أذى المشركين للمسلمين إلا بعد ما نزلت قل يا أيها الكافرون، فإذا كان هذا في الكافر الذي لم يؤمن بالإسلام فكيف بمن ينتسب إليه ويولد فيه ويطبق بعض أحكامه؟
وكيف إذا كان التكفير بما ليس بمكفر أصلا كما يحدث من بعض أهل الغلو؟!
لذا فإن علينا واجب البلاغ والدعوة إلى الله مع تأليف الناس وتألفهم وتزين الحق لهم وتيسيره عليهم وعدم التشديد عليهم في التزام الأحكام حتى يستفيض العلم وتصحح المفاهيم ويرفع الالتباس حول حقائق الإسلام فحينها نكون قد أدينا ما علينا من واجب البلاغ فيهلك من هلك عن بينة ويحي من حي عن بينه.
وهذا كله لا يتنافى مع تقرير أحكام الشريعة في هؤلاء وفي أفعالهم وأقوالهم، والذي يخلط بينهما أو ويثبت بينهما تلازما فحري به أن لا ينظر في قوله إذا تكلم في هذه المسائل!
- أما من يقول بأن تكفير هؤلاء العوام الذين وقعوا في أصناف الشرك هو من ضرورة تحقيق التوحيد وأصل الدين حيث أن تكفيرهم هو بمعنى البراءة منهم، والبراءة من الكفار ركن في التوحيد وأصل الدين، فمن لم يكفرهم لم يكن محققا لأصل دينه، ولا عذر لمن لم يحقق أصل الدين، ثم يقرر بأن من يعذر بالجهل كافر لأنه لم يحقق البراءة من الكافرين ...
فهؤلاء هم أهل الغلو في هذه المسالة وهذا من أعظم أصولهم الباطلة التي تقابل أصول أهل التفريط - إن صح التعبير-،إذ أن التكفير ليس بمعنى البراءة لا لغة ولا شرعا، وإنما تكون البراءة بعد ثبوت وصف الكفر ابتداء، لقوله تعالى (فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه) فالبراءة لا تكون إلا بعد ثبوت الكفر فكيف تكون هي معناه؟!
ومن يعذر بالجهل أو غيره لم يثبت لديه كفر هؤلاء ولا يتبين له ذلك،فهم وإن أخطئوا فلهم من الأجر مع خطأهم بقدر اجتهادهم وابتعادهم عن التزام الأصول الفاسدة التي سبق ذكرها، وبهذا أفتت اللجنة الدائمة في الفتوى رقم: ((11043)).
- وعلى كل حال فإذا غضضنا الطرف عن كل ما سبق وعن كل هذه الإفرازات التي نتجت، فإن المسألة مجردة تعد في النهاية مسالة علمية اجتهادية حول دلالة النصوص على اعتبار عذر الجهل أو عدم اعتباره، فلا يقال أن المخالف فيها تكفيري أو خارجي لأنه يلتزم بالضوابط الشرعية فيكفر بما اتفق على أنه كفر أكبر مخرج من الملة ويعتبر جميع الأعذار المتفق عليها من الإكراه والخطأ والنسيان وغيرها ويخالف فقط في شرط العلم ومانع الجهل يزعم أن الأدلة لا تدل على عمومه بما يتضمن التوحيد.
- وحيث أن المقام ليس مقام استطراد وتفصل لهذه المسالة فاذكر فقط ممن يخالف الشيخ في هذه المسالة بعض أهل العلم منهم الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ابن باز واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ومن مصر الشيخ حامد الفقي رئيس جمعية أنصار السنة السابق والشيخ عبد الرحمن الوكيل أيضا رئيس جمعية أنصال السنة السابق وسأكتفي بهؤلاء لتأكيد أن المخالفين للشيخ في هذه المسالة علماء كبار لا ينبغي تجاوزهم أو تجاوز أقوالهم إذا ذكرت المسالة فضلا أن يوصفوا بأنهم خوارج أو تكفيريون ...
- وأبدا بذكر فتوى للشيخ ابن باز برقم 3548 قال رحمه الله:
" من مات على الشرك جاهلا لعدم مجيء أحد إليه يعرفه معنى التوحيد وأن النذر والدعاء عبادة لا يجوز صرفها لغير الله، فهو مشرك كافر لا يجوز المشي في جنازته ولا الصلاة عليه ولا الدعاء والاستغفار له ولا قضاء حجه والتصدق عنه.
وهؤلاء ليسوا بمعذورين بما يقال عنهم أنهم لم يأتهم من يبين أنه هذه الأمور المذكورة التي يرتكبونها شرك لأن الأدلة في القرآن واضحة وأهل العلم موجودون لديهم "
- وهذه أيضا بعض إجابات الشيخ ابن باز حول مسألة العذر بالجهل في شرحه لكتاب كشف الشبهات:
س: الاختلاف في مسائل العذر بالجهل هل من المسائل الخلافية؟
ج: مسألة عظيمة، والأصل فيها أنه لا يعذر من كان بين المسلمين من بلغه القرآن والسنة، ما يعذر.
¥