- وقال رحمه الله في معرض رده علي القائلين بأن هؤلاء لا يعلمون بأن ما يفعلونه شرك: (فإن قلت:- هؤلاء المعتقدون في الأموات لا يعلمون بأن ما يفعلونه شرك، بل لو عرض أحدهم علي السيف لم يقر بأنه مشرك بالله ولا فاعل لما هو شرك بل ولو علم أدني علم أن ذلك شرك لم يفعله، قلت – أي الشوكاني:- الأمر كما قلت، ولكن لا يخفي عليك ما تقرر في أسباب الردة أنه لا يعتبر في ثبوتها العلم بمعني ما قاله مما جاء بلفظ كفري، أو فعل فعلاً كفرياً، وعلي كل حال فالواجب علي كل من اطلع علي شئ من هذه الأقوال والأفعال، التي اتصف بها المعتقدون في الأموات أن يبلغهم الحجة الشرعية، ويبين لهم ما أمره الله ببيانه، وأخذ عليه ميثاقه ألا يكتمه كما حكي لنا في كتابه العزيز .. )
فتأمل قوله رحمه الله: (وأنه لا يعتبر في ثبوت الردة العلم بما قاله من ألفاظ الكفر أو الشرك)
- واختم بقوله: (أما السؤال الأول: فقد أجاب عنه السائل بما شفى وكفى وهو سؤال وجواب وقد أقام الأدلة على ما أجاب به من الكتاب والسنة، فمن قال بغيره فلا يلتف غليه ولا يعول عليه. ومن وقع في الشرك جاهلا لم يعذر لان الحجة قامت على جميع الخلق بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم فمن جهل فقد أتي من قبل نفسه بسبب الإعراض عن الكتاب والسنة ... فمن جهل فبسبب إعراضه، ولا يعذر أحد بالإعراض.) الفتح الرباني صـ 145 رسائل العقيدة
- أما التوفيق بين هذه الأقوال التي تبدوا متعارضة لأول وهلة فهو وإن كان من مسؤولية من يحتج بها ابتداء ولكن حيث تعرضت لهذا فأذكر فيه ما يحضرني والله الموفق.
فأقول إن ما ذكره الإمام الشوكاني رحمه الله مخالف لأدلة الكتاب والسنة وأصول أهل السنة في هذا الباب،حيث أن اشتراط انشراح الصدر بالكفر واعتقاد القلب له مخالف لما اتفق عليه عند أهل السنة من أن الكفر يكون بالقول والفعل والاعتقاد والذي يشترط في انشراح الصدر واعتقاد القلب وسكون النفس إنما يرجع الكفر كله إلى شيء واحد وهو الاعتقاد!
ولا يمكن أن يجتمع قوله هذا مع إقراره بأن الكفر يكون بالقول والعمل إلا بنوع تناقض.
وإن لم يكن في تلك المقالة إلا مخالفة هذا الأصل المتقرر والمميز لها عن أهل الإرجاء والتجهم لكفى لبطلانها وكونها مردودة.
فكيف إذا تعارضت مع نصوص الكتاب والسنة الظاهرة البينة في كفر من تكلم بالكفر من غير اعتقاد؟
- فلأن يقال عن هذا الكلام بأنه زلة عالم وأن الإمام الشوكاني رحمه الله أخطأ في هذا الكلام وكل يؤخذ من كلامه ويرد إلا النبي عليه الصلاة والسلام، خير من أن تهدم هذه الأصول.
- هذا وإن اشتراط انشراح الصدر بالكفر وطمأنينة النفس به ليس إلا في المكره على الكفر فمن كفر بغير إكراه فلا يشترط له هذا الشرط مطلقا ودليل ذلك قوله تعالى:
(من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله .. ) الآية فمن كفر بالله من بعد إيمانه فهو كافر إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان فهذا مستثنى من كونه كافرا،ولكن من شرح بالكفر صدرا أي من المكرهين فعليهم غضب من الله.
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فإن قيل: فقد قال تعالى «ولكن من شرح بالكفر صدراً»، قيل: وهذا موافق لأولها، فإنه من كفر من غير إكراه فقد شرح بالكفر صدراً، وإلا ناقض أول الآية آخرها، ولو كان المراد بمن كفر هو الشارح صدره، وذلك يكون بلا إكراه، لم يستثن المكره فقط، بل كان يجب أن يستثني المكره وغير المكره إذا لم يشرح صدره، وإذا تكلم بكلمة الكفر طوعاً فقد شرح بها صدراً وهى كفر. وقد دل على ذلك قوله تعالى «يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم، قل استهزءوا إن الله مخرج ما تحذرون، ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب، قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون، لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين». فقد أخبر أنهم كفروا بعد إيمانهم مع قولهم: إنا تكلمنا بالكفر من غير اعتقاد له، بل كنا نخوض ونلعب، وبين أن الاستهزاء بآيات الله كفر، ولا يكون هذا إلا ممن شرح صدره بهذا الكلام، ولو كان الإيمان في قلبه منعه أن يتكلم بهذا الكلام) (مجموع الفتاوى) 7/ 220
¥