- وقد تكلم الشيخ حمد بن عتيق النجدي رحمه الله 1301 هـ في نفس المسألة في رده على أحد خصوم دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فقال (وأما خروجه ــ أي الخَصْم ــ عما بعث الله به رسوله من الكتاب والسنة وما عليه الصحابة ومن بعدهم من أهل العلم فقوله: فمن شرح بالكفر صدراً أي فتحه ووسّعه وارتد عن الدين وطابت نفسه بالكفر فذلك الذي ندين الله بتكفيره، هذه عبارته، وصريحها أن من قال الكفر أو فعله لا يكون كافراً وأنه لا يكفر إلا من فتح صدره للكفر ووسعه، وهذا معارضة لصريح المعقول وصحيح المنقول وسلوك سبيل غير سبيل المؤمنين، فإن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة قد اتفقت على أن من قال الكفر أو فعله كَفَر ولا يشترط في ذلك انشراح الصدر بالكفر ولا يستثنى من ذلك إلا المكره، وأما من شرح بالكفر صدراً أي فتحه ووسّعه وطابت نفسه به ورضي فهذا كافر عدو لله ولرسوله وإن لم يتلفظ بذلك بلسانه ولا فعله بجوارحه، هذا هو المعلوم بدلالة من الكتاب والسنة وإجماع الأمة، ونبين ذلك من وجوه) ثم ذكر عشرة أدلة على كلامه وذلك في رسالته (الدفاع عن أهل السنة والإتباع) صـ 22 ــ 23
- وذكر ابن الوزير اليماني عن أبي هاشم رأس المعتزلة هذا القول وأنكره حيث قال:
(ومن العجب أن الخصوم من البهاشمة وغيرهم لم يساعدوا على تكفير النصارى الذي قالوا إن الله ثالث ثلاثة ومن قال بقولهم مع نص القرآن على كفرهم إلا بشرط أن يعتقدوا ذلك مع القول وعارضوا هذه الآية الظاهرة بعموم مفهوم قوله ولكن من شرح بالكفر صدرا كما سيأتي بيانه وضعفه مع وضوح الآية الكريمة في الكفر بالقول ...... وعلى هذا لا يكون شيء من الأفعال والأقوال كفرا إلا مع الاعتقاد حتى قتل الأنبياء والاعتقاد من السرائر المحجوبة فلا يتحقق كفر كافر قط إلا بالنص الخاص في شخص شخص ولا يدل حرب الأنبياء على ذلك لاحتمال أن يكون على الظاهر كقوله فمن حكمت له بمال أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار ومع نكارة هذا فالملجئ إليه عموم مفهوم ظني ضعيف.)
- والاحتجاج بما ذكره الشوكاني رحمه الله من اشتراط انشراح الصدر بالكفر وسكون النفس إليه واعتقاد القلب له يكشف حقيقة منهج من يحتج بهذا الكلام من غير تأمل ويؤكد ما ذكرناه من أسباب استفحال الخلاف في هذه المسالة حيث يلزم من ذلك حصر الكفر في الاعتقاد والاستحلال القلبي دون سائر أنواع الكفر القولي والعملي،وهم مع ذلك يقررون أن الكفر يكون بالقول والفعل والاعتقاد فكيف يستقيم لمن يحتج بهذا القول أن يقرر ذلك؟!
لاشك أن هذا تناقض وخلل في فهم هذه المسالة أو فهم أصول أهل السنة أصلا، فالتزام هذا القول يمنع الاعتبار بكفر الأقوال والأعمال مطلقا، ويعلقه على انشراح الصدر بالكفر بما يرجع بجميع أنواع الكفر إلى الاعتقاد وهذا أصل باطل مخالف لأصول أهل السنة المعلومة.
- وأخيرا فإن انشراح الصدر بالكفر واعتقاد القلب له أمر مغاير للعلم بل هو عند التأمل غير ملازم له!
إذ كيف ينشرح الصدر بالكفر وتسكن النفس إليه وهو يعلم أنه كفر؟!
فهذا لا يكون إلا لمن يعتقد في نفسه أنه على الحق، فما نسميه نحن كفرا ليس عنده بكفر بل هو الحق الذي يعتقده، فإذا كان انشراح الصدر بالكفر هو دليل جهل صاحبه المركب ومع ذلك يكفر به،فكيف يحتج به على العذر بالجهل؟!
-أما إذا ذهبنا إلى توجيه كلام الشوكاني بما قد يكون أمثل في جمع كلامه وتأليفه فإنه قد يقال:
أولا: إن أصل الكلام إنما كان تعليقا على عبارة الماتن و قوله: (والمتأول كالمرتد).
والشوكاني رحمه الله لا يرى أصلا شيئا أسمه " كفر التأويل " ويراه تكفيرا للمسلمين بغير موجب وإخراجا للمسلم عن الإسلام بلوازم قوله ومآله ولذا قال هذا الكلام تعليقا على المتن المشروح قبل هذا الكلام: (وأما قوله:" ولو تأويلا " فباطل من القول وخطل من الرأي فإن هذه المسائل التي اختلف فيها أهل الإسلام وكفر بعضهم بعضا تعصبا وجرأة على الدين وتأثيرا للأهوية لو كان ظهورها في الدار مقتضيا لكونها دار الكفر لكانت الديار الإسلامية بأسرها ديار كفر فإنها لا تخلوا مدينة من المدائن ولا قرية من القرى من ذاهب إلى ما تذهب إليه الأشعري أو المعتزلة أو الماتريدية وقد اعتقدت كل طائفة من هذه الطوائف ما هو كفر تأويل عند الطائفة الأخرى وكفاك من شر
¥