- وحيث كرر الشيخ مرارا بأن سبب إعذار الذين وقعوا في الشرك وهو أنهم لم يريدوا بذلك الخروج من الإسلام فأذكر بعض أقوال أهل العلم المدعمة بالنصوص الشرعية والتي ترد هذا القول وتبطله وتقرر أن المرء قد يكفر ويخرج من الإسلام وهو لا يقصد الكفر وعلى رأس هذه الأقوال إجماع الأمة على كفر الهازل مع كونه لم يرد بذلك الخروج عن الإسلام.
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية في قوله تعالى ( .. لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم):
(دل على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفراً، بل ظنوا أن ذلك ليس بكفر، فبين أن الاستهزاء بالله ورسوله يكفر به صاحبه بعد إيمانه، فدل على أنه كان عندهم إيمان ضعيف، ففعلوا هذا المحرم الذي عرفوا أنه محرم ولكن لم يظنوه كفراً وكان كفراً كفروا به، فإنهم لم يعتقدوا جوازه)
فهذا نص منه رحمه الله في أنهم كفروا ولم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفرا.
- وقال رحمه الله في الصارم المسلول ص 184 (وبالجملة فمن قال أو فعل ما هو كُفْرٌ كَفَرَ بذلك، وإن لم يقصد أن يكون كافرا؛ إذ لا يكاد يقصد الكفر أحد إلا ما شاء الله .. )
- ثم قال ص 375: (و الغرض هنا أنه كما أن الردة تتجرد عن السب كذلك قد تتجرد عن قصد تبديل الدين، وإرادة التكذيب بالرسالة، كما تجرد كفر إبليس عن قصد التكذيب بالربوبية، وإن كان عدم هذا القصد لا ينفعه كما لا ينفع من قال الكفر أن لا يقصد أن يكفر)
- وقال شيخ المفسرين ابن جرير رحمه الله:
(والصواب من القول في ذلك عندنا، أن يُقال: إنَّ الله - عز وجل - عنَى بقوله:
(هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً) كلَّ عاملٍ عملاً يحسبه فيه مصيبًا، وأنَّه لله بفعله ذلك مطيع مُرضٍ، وهو بفعله ذلك لله مسخط، وعن طريق أهل الإيمان به جائر كالرهبانيَّة والشمامسة، وأمثالهم من أهل الاجتهاد في ضلالهم، وهم مع ذلك من فعلهم واجتهادهم بالله كفرة، من أهل أي دين كانوا)
- وقال أيضا:
(وهذا من أدل الدلائل على خَطَأِ قَوْلِ مَن زَعَم أنه لا يكفر بالله أحد إلا من حيثُ يقصد إلى الكفر بعد العلم بوحدانيته؛ وذلك أنَّ الله - تعالى ذِكْرُه - أخبر عن هؤلاء الذين وصف صِفَتَهُم في هذه الآية، أنَّ سعْيَهُم الذي سَعَوْا في الدنيا ذَهَبَ ضلالا وقد كانوا يحسبون أنهم محسنون في صنعهم ذلك، وأخبر عنهم أنهم هم الذين كفروا بآيات ربهم. ولو كان القول كما قال الذين زعموا أنَّه لا يكفر بالله أحدٌ إلا من حيث يعلم، لوجب أن يكون هؤلاء القوم في عملهم الذي أخبر الله عنهم أنهم كانوا يحسبون فيه أنهم يُحْسِنون صنعه، كانوا مثابين مأجورين عليها، ولكنَّ القَوْلَ بخلاف ما قالوا، فأخبر جل ثناؤه عنهم أنهم بالله كفرة، وأن أعمالهم حابطة) ا. هـ
- وقال ابن حجر في الفتح تحت باب من ترك قتال الخوارج للتألف 12/ 315:
(وفيه أن من المسلمين من يخرج من الدين من غير أن يقصد الخروج منه، ومن غير أن يختار ديناً على دين الإسلام، وأن الخوارج شر الفرق المبتدعة .. ) ا- هـ.
- فهذه بعض أقوال أهل العلم مدعمة بأدلة الكتاب والسنة وإجماع الأمة والتي ترد قول الشيخ أن من يفعل الكفر والشرك لا يكفر لأنه لم يرد بهذا الفعل أو هذا القول الخروج من الإسلام،علما بأن تعمد الخروج لا يقتصر على الجاهل فقط، فقد يفعل الكفر من هو عالم به ولا يريد بذلك الخروج الإسلام،فيلزم الشيخ أن لا يكفر ذلك أيضا إذ علق الكفر على إرادة الخروج!
الوقفة السادسة:
تكلم الشيخ وفقه الله في المسالة الثالثة عن مسالة دخول الأعمال في مسمى الإيمان وهل تدخل الأعمال في مسمى الإيمان أم لا؟
ثم قرر أنها تدخل في مسمى الإيمان و ذكر أن الذي عليه جمهور أهل السنة أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان وأن الإيمان تصديق بالجنان وقول باللسان وعمل بالأركان.
ثم تسائل قائلا: (ما حكم ترك العمل؟ الجواب فيه تفصيل)
ثم قرر أن من ترك العمل جاحدا فإنه يكفر بلا خلاف ومن تركه كسلا وتهاونا فإنه لا يكفر.
وهذا الكلام لا إشكال فيه إذا كان الكلام عن ترك أي من أعمال الجوارح حيث أن الإيمان يزيد وينقص يزيد بفعل الطاعة وينقص بفعل المعصية وترك الطاعة وما تقرر عن أهل السنة من أن مرتكب الكبيرة مؤمن ناقص الإيمان أو مسلم ليس بمؤمن.
ولكنه قال بعد ذلك:
¥