تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الرابع: ظن الظان أن ليس في القلب إلا التصديق، وأن ليس الظاهر إلا عمل الجوارح. والصواب أن القلب له عمل مع التصديق، والظاهر قول ظاهر وعمل ظاهر، وكلاهما مستلزم للباطن. والمرجئة أخرجوا العمل الظاهر عن الإيمان؛ فمن قصد منهم إخراج أعمال القلوب ـ أيضًا ـ وجعلها هي التصديق، فهذا ضلال بين، ومن قصد إخراج العمل الظاهر قيل لهم: العمل الظاهر لازم للعمل الباطن لا ينفك عنه، وانتفاء الظاهر دليل انتفاء الباطن، فبقى النزاع في أن العمل الظاهر: هل هو جزء من مسمى الإيمان يدل عليه بالتضمن، أو لازم لمسمى الإيمان؟ (

ومما ينبغي أن التنبه له في هذا المقام أن الحديث عن الجهمية والرد عليهم يختلف عن الحديث عن المرجئة والرد عليهم فكلاهما يشترك في إخراج عمل الجوارح من الإيمان وتختص الجهمية بإخراج قول اللسان أيضا، وهذا يفيد في فهم كلام شيخ الإسلام عند الظاهر وانتفاء الإيمان ففي سياق الرد على الجهمية يحتمل أن يكون الظاهر في كلام شيخ الإسلام متضمنا قول اللسان وعمل الجوارح معا ويحتمل إن يكون أحدهما بحسب السياق حيث أنهم قد أخرجوا الظاهر كله بما فيه القول والعمل، أما في سياق الحديث عن المرجئة خاصة مرجئة الفقهاء فإن الحديث عن الظاهر وانتفاءه يقتصر على ما أخرجوه فقط وهو عمل الجوارح وأيضا بحسب السياق!

- ففي هذا النقل قد فصل شيخ الإسلام أركان الإيمان الأربعة من قول اللسان وتصديق القلب وعمل الجوارح وأعمال القلب فقال:

) والظاهر قول ظاهر وعمل ظاهر، وكلاهما مستلزم للباطن (

فهنا نص على أن الظاهر قول ظاهر وعمل ظاهر وأن كلاهما مستلزم للباطن

ثم ذكر خطا المرجئة فقال) - والمرجئة أخرجوا العمل الظاهر عن الإيمان (

-ثم قال: (فمن قصد منهم إخراج أعمال القلوب أيضًا وجعلها هي التصديق، فهذا ضلال بين (

- ثم قال (ومن قصد إخراج العمل الظاهر قيل لهم: العمل الظاهر لازم للعمل الباطن لا ينفك عنه، وانتفاء الظاهر دليل انتفاء الباطن)

وهذا هو محل الشاهد حيث نص شيخ الإسلام رحمه الله على انتفاء الإيمان الباطن لانتفاء العمل الظاهر والذي على أساسه يكون الخلاف بين صاحب هذا القول وبين قول أهل السنة خلافا لفظيا ولذا أردف بقوله:

(فبقى النزاع في أن العمل الظاهر: هل هو جزء من مسمى الإيمان يدل عليه بالتضمن، أو لازم لمسمى الإيمان؟)

فالإقرار بأن (انتفاء الظاهر دليل على انتفاء الباطن) لمن يقول بالتلازم بينهما هو شرط كون النزاع لفظيا، فإذا كان العمل الظاهر لازم لإيمان القلب فيلزم من ذلك انتفاء الإيمان الباطن لانتفائه وبدون هذا فلا يمكن أن يكون الخلاف لفظيا.

فمن يقول بأن الخلاف لفظي لأنهم جعلوا العمل لازم للإيمان فهو مخطئ.لأنه لا يتحقق هذا اللزوم حقيقة إلا بانتفاء الملزوم عند انتفاء اللازم وإلا فلا معنى للتلازم.

فهذا الموضع مع مواضع كثيرة لشيخ الإسلام أكد فيها رحمه الله على قاعدة أهل السنة في التلازم المطلق بين الظاهر والباطن وعلى انتفاء الإيمان الباطن لانتفاء العمل الظاهر.

وليس المقصود في هذا الاستطراد الرد على الشيخ عبد العظيم وفقه الله حيث أن الشيخ لم يتكلم بكل ما سبق ولكنه يتفق مع من يقول بهذا الكلام ضرورة، لذا أوردت ما سبق في سياق المسالة، وهي مسالة ثار حولها خلاف كثير في هذا العصر ولولا التعدي والتجني من أصحاب هذه القول على إخوانهم واتهامهم لهم بأنهم على منهج الخوارج وأنهم يكفرون بالمعاصي لما ذكرت ما سبق حيث أن المسالة ليست مما يترتب عليها أحكام ظاهرة وحدوثها في الواقع يكاد يكون غير متحقق، وقد يلتمس لمن يخالف في هذه المسالة العذر إذا ما اقتصر على الاحتجاج بدلالات النصوص الشرعية وما يذكر من الأحاديث من غير تعدي على الثوابت المجمع عليها أو اتهام المخالف بالخروج عن منهج السنة ...

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير