تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهذا المعنى قد اختص به الرب سبحانه فهو من خصائص ربوبيته لقوله سبحانه: (ولا يشرك في حكمه أحدا) وقوله (إن الحكم إلا لله) وقوله (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم ياذن به الله) ونعيه سبحانه على أهل الكتاب بأنهم (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا) وقول النبي عليه الصلاة والسلام: (الم يحلوا لكم الحرام ويحرموا عليكم الحلال .. ) الحديث ففسر ربوبية الأحبار والرهبان بتحليل الحرام وتحريم الحلال فدل على أن هذا من خصائص الرب سبحانه وتعالى.

- وحيث أن توحيد الرب سبحانه وتعالى هو إفراده سبحانه بما يختص من الأسماء والصفات والأفعال وما يستحق من العبادة والتعظيم وحيث أن التشريع والتحليل والتحريم هو من خصائصه سبحانه ومن أعمال الربوبية التي لا يشرك فيها أحدا كان واجب المكلف تجاه حكم الله وتشريعه هو إفراده سبحانه بذلك، وذلك يكون بقبوله وحده والانقياد له وحده، وهو معنى طاعته في التشريع، ويقابل ذلك التولي عن الطاعة برد حكم الله وعدم قبوله حكما أو الشرك في الطاعة بقبول غير شرعه معه فالواجب على المسلم إن كان حاكما ان يفرد الله بالتشريع بأن يجعله وحده حكما بين الناس،ترد غليه جميع الخصومات والنزاعات، وإن كان محكوما افرد الله بالتشريع بالتحاكم إلى شرع الله وحده.

ومن يجعل شرعا غير شرع الله حكما بين الناس فلا يكون حينئذ قد أفرد الله سبحانه بالحكم بل يكون قد أشرك في حكمه أحدا والله يقول (ولا يشرك في حكمه أحدا) وفي قراءة ابن عامر (ولا تشرك في حكمه أحدا) ..

- أما المعنى الثاني للفظ الحكم والذي يرد في استعمال الكتاب والسنة فهو القضاء:

والقضاء موكول للقاضي والحاكم الشرعي وعمله فقط تنفيذ الأحكام الشرعية بشان المتخاصمين، فالقاضي حاكم بين الناس بمعنى المنفذ لحكم الله وشرعه.

وهذا القاضي قد يظلم ويجور أثناء تنفيذ الأحكام إما لرشوة أو لعداوة لأحد المتخاصمين أو غير ذلك لكنه في الأصل ملتزم بحكم الله سبحانه وتعالى وشرعه فلا يحل حراما ولا يحرم حلالا ولا يسن تشريعا ومن ذلك قوله سبحانه (وأن أحكم بينهم بما أنزل الله .. ) والمعنى أقض بينهم.

- ولا خلاف في أن لفظ الحكم في القرآن يتناول هذين المعنيين وغيرهما.

فأما الصورة الأولى فالإجماع منعقد على كفر من يخالف فيها حاكما كان أو محكوما فمن شرع حكما عاما يبدل به شرائع الإسلام يحل به الحرام أو يحرم به الحلال أو يشرك به شرع الله سبحانه فهو كافر خارج عن ملة الإسلام ومن يتحاكم إلى الطاغوت ويقدمه على شرع الله باختياره فهو كافر.

يقول الحق تبارك وتعالى: (يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ... ) والطاغوت هو كل ما يتحاكم إليه غير الله ورسوله من القوانين والأعراف والآراء والأهواء ...

- وهذا شيء مما ذكره أهل العلم بهذا الصدد:

قال الإمام إسحاق اين راهويه:

(وقد أجمع العلماء أن من سب الله عز وجل أو سب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو دفع شيئا أنزله الله أو قتل نبيا من أنبياء الله وهو مع ذلك مقر بما أنزل الله أنه كافر (ا. هـ

فقوله: (دفع شيئا أنزله الله) يعني رده وعدم قبوله وقوله (وهو مع ذلك مقر بما أنزل الله أنه كافر) يعني لا ينكر شرع الله وفيه رد على قول الشيخ بأنه إذا كان مقرا بوجوب الحكم غير جاحد له فإنه لا يكفر!

فهذا إجماع على أنه يكفر وإن كان مقرا إذا دفع شيئا مما أنزل الله يعني رده.

- وقد ذكر ابن حزم صيغة أخرى للإجماع فقال:

( ... لا خلاف بين اثنين من المسلمين أن هذا منسوخ، وأن من حكم بحكم الإنجيل مما لم يأت بالنص عليه وحي في شريعة الإسلام فإنه كافر مشرك خارج عن الإسلام ") الإحكام في أصول الأحكام

- وقال أيضا: (إحداث الأحكام لا يخلو من أحد أربعة أوجه: إما إسقاط فرض لازم كإسقاط بعض الصلاة أو بعض الصيام أو بعض الزكاة أو بعض الحج أو بعض حد الزنى أو حد القذف أو إسقاط جميع ذلك وإما زيادة في شيء منها أو إحداث فرض جديد وإما إحلال محرم كتحليل لحم الخنزير والخمر والميتة وإما تحريم محلل كتحريم لحم الكبش وما أشبه ذلك وأي هذه الوجوه كان فالقائل به مشرك لاحق باليهود والنصارى)

- ونص ابن كثير رحمه الله أيضا على هذا الإجماع حيث قال:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير