) فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين، قال تعالى " أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) البداية والنهاية
ونحن نقول أيضا فكيف بمن تحاكم على ذبالة أذهان البشر وقوانين الرومان والفرنسيين وسائر ملل الكفر وقدمها على شرع الله؟
فهذه إجماعات متتالية متعاقبة تنص على كفر من يبدل شرائع الإسلام بغيرها من الشرائع المنسوخة فكيف بمن يبدلها بقوانين أهل الكفر وحسالة أذهان البشر.؟ وكيف يترك ذكر هذه الإجماعات ويذهب إلى كلام عام ثم يزعم بأنه التفصيل، فهل هذا هو منهج أهل التحقيق!
- أما الصورة الثانية من صور الحكم وهي القضاء، فهي ما يدندن حوله الشيخ وغيره ويذكر فيه أقوال المفسرين فهذه الصورة هي التي يقال لها كفر دون كفر، وكفر لا يخرج عن الملة وذلك لان السلف رحمهم الله لم يكن عندهم شيء من سن القوانين وتشريع الأحكام بل كل المخالفات التي كانت على وقتهم هي في باب
القضاء وظلم الولاة حيث كانت الشريعة محكمة والخلافة قائمة لم تبدل الأحكام أو تسن القوانين المخالفة لشريعة الله، ولم يحدث ذلك قط إلا في زمان التتار حين وضعوا االياسق وحينها أجمعوا على كفرهم وضلالهم كما سبق عن ابن كثير رحمه الله، ثم رجع الأمر بعدهم حتى زماننا هذا حيث سقطت الخلافة وأزيحت الشريعة وحل محلها الدستور والقانون الذي يسنه مجلس الشعب.
وفي ذلك - يقول الشيخ محمود شاكر رحمه الله:
(فإنه لم يحدث في تاريخ الإسلام أنْ سنّ حاكم حكما وجعله شريعة ملزمة للقضاء بها. هذه واحدة. وأخرى: أن الحاكم الذي حكم في قضية بعينها بغير حكم الله فيها، فإنه إما أن يكون حكم بها وهو جاهل، فهذا أمره أمر الجاهل بالشريعة. وإما أن يكون حكم بها هوى ومعصية، فهذا ذنب تناله التوبة، وتلحقه المغفرة. وإما أن يكون حكم به متأولا حكما خالف به سائر العلماء، فهذا حكمه حكم كل متأول يستمد تأويله من الإقرار بنص الكتاب، وسنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم)
- وقال رحمه الله: (الذي نحن فيه اليوم هو هجر لأحكام الله عامة بلا استثناء، وإيثار أحكام غير حكمه في كتابه وسنة نبيه، وتعطيل لكل ما في شريعة الله، بل بلغ الأمر مبلغ الاحتجاج على تفضيل أحكام القانون الموضوع على أحكام الله المنزلة، وادعاء المحتجين لذلك بأن أحكام الشريعة إنما نزلت لزمان غير زماننا، ولعلل وأسباب انقضت، فسقطت الأحكام كلها بانقضائها) ا. هـ
- أما عن أثر ابن عباس رضي الله عنه فقد علق عليه رحمه الله وعلى بعض الآثار الأخرى التي في معناه فقال:
(لم يكن سؤالهم عما احتج به مبتدعة زماننا من القضاء في الأموال والأعراض والدماء بقانون مخالف لشريعة أهل الإسلام، ولا في إصدار قانون ملزم لأهل الإسلام بالاحتكام إلى حكم غير حكم الله في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، فهذا الفعل إعراض عن حكم الله ورغبة عن دينه، وإيثار لأحكام أهل الكفر على حكم الله سبحانه وتعالى، وهذا كفر لا يشك أحد من أهل القبلة على اختلافهم في تكفير القائل به والداعي إليه. ولو كان الأمر على ما ظنوا في خبر أبي مِجْلز، أنهم أرادوا مخالفة السلطان في حكم من أحكام الشريعة، (
- وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعليقا على نفس الأثر:
(إنه ليس بالكفر الذي تذهبون إليه، إنه ليس كفرا ينقل عن الملة " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" كفر دون كفر". ووافقه الذهبي على تصحيحه. وهذه الآثار عن ابن عباس وغيره، مما يلعب به المضللون في عصرنا هذا، من المنتسبين للعلم، ومن غيرهم من الجرآء على الدين: يجعلونها عذرا أو إباحة للقوانين الوثنية الموضوعة، التي ضربت على بلاد الإسلام (
- وقال أيضا: (إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس، هي كفر بوّاح، لا خفاء فيه ولا مداورة، ولا عذر لأحد ممن ينتسب للإسلام - كائنا من كان - في العمل بها أو الخضوع لها أو إقرارها، فليحذر امرؤ لنفسه، وكل امرئ حسيب نفسه) أ هـ.
¥