تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فيه تصرفات بعض أهل الحسبة وجهه بقوله:" وكان الواجب على الكاتب حين بلغه عنهم ما يعتقده خلاف الشرع أن يتصل بأعيانهم مشافهة أو كتابة، ويناصحهم فيما أخذ عليهم أو يتصل بسماحة المفتي أو رئيس الهيئات، ويبدي ما لديه حول الإخوان من النقد حتى يوجههم المشايخ إلى الطريق السوي. أما أن يكتب في صحيفة سيارة ما يتضمن التشنيع عليهم، والحط من شأنهم، ووصفهم بما هم براء منه فهذا لا يجوز من مؤمن يخاف الله ويتقيه، لما في ذلك من كسر شوكة الحق والتثبيط عن الدعوة إليه، والتلبيس على القراء، ومساعدة السفهاء والفساق على باطلهم، وعلى النيل من دعاة الحق ... ".

وهكذا من خلال النقاط السابقة تبين لنا الأصول والضوابط التي كان يسير عليها الشيخ في تعامله مع المخطئين، ومناقشته للمخالفين وحواره مع المجتهدين. وقد توصلنا إليها بعد استقراء وتأمل لما وقع تحت اليد من آثار له في هذا المجال، واللافت للنظر أن هذا المنهج بأصوله وضوابطه يكاد يكون ثابتاً عنده سواء ما أملاه قديماً، أو ما صدر عنه في السنوات الأخيرة، فلم يزحزحه عنه تشنج كاتب أو تحامله، ولا عناد مخالف أو تعصبه. كما لم يؤثر عليه فيه تقلب الأحوال، ولا تبدل الوجوه، فيا ترى ما الذي أكسب الشيخ – رحمه الله – ذلك المنهج؟ إن الإجابة على مثل هذا السؤال تفيدنا في اقتفاء أثره، وترسم خطاه لا نتهاج منهجه، فهي تتعلق بعلم من الأعلام الذي عاش بيننا عمراً مديداً يُعلم ويُناصح ويدعو ويُدافع، فكان له حضوره المؤثر سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، وليس فقط في الداخل وإنما تعدى أثره إلى الخارج.

على ضوء ما قرأته وعرفته من حياة الشيخ – رحمه الله – ومآثره وآثاره، أستطيع أن أرد تملكه ذلك المنهج إلى عدة أمور توفرت له، وتميزت بها شخصيته، منها تعمقه بالعقيدة السلفية الصحيحة، فالعقيدة المستمدة من الكتاب وصحيح السنة كانت أحب العلوم إليه – كما نقل على لسانه -، فصار مرجع الجميع في الدقيق منها والجليل، ولا ريب أن التعمق بالعقيدة السلفية زوده بمنهج أصيل في التعليم والكتابة والتعامل وغيرها، وعصمه – بعد الله تعالى- من التقلب حسب ما يطرأ من ظروف. ومن الأمور التي توفرت له –أيضاً- علمه الواسع بالسنة المطهرة من حيث المتون وما يرتبط بها من علوم حتى أصبح حكمه على الحديث بالصحة والضعف محل اعتبار واحترام، فاستفاد من هذا العلم فكرياً وكذلك علمياً إذ طبقه على نفسه، والذين جالسوه وعاشروه يدركون ذلك. وقد سئل مرة ما الشخص الذي تأثرت به فأصبحت بهذه الرحابة من سعة الصدر والصبر في حل مشاكل الناس والتعامل معهم؟. فأجاب": الرسول صلوات الله وسلامه عليه، فهو قدوتنا، وهو الأساس في هذا، فكان تحمله كبيراً، فربما جره الأعرابي من ردائه حتى يؤثر في رقبته، فيحنو عليه النبي عليه الصلاة والسلام ويضحك ويجيب له طلبه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحمل أهل البادية والحاضرة فهو أسوة لجميع أهل العلم والمسلمين ثم أصحابه كان لديهم من الحلم والصبر الكثير أيضاً، كالصديق وعلي وطلحة وغيرهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكان عمر لديه بعض الحدة لكنه كان أَخْيَر الناس وأصدقهم وأكملهم إيماناً ". وكل مطلع على أقوال ابن باز وكتاباته في تبيين الحق للمخطئين لن يجد شيئاً أسهل من الوقوف في ثناياها على تطبيقه – رحمه الله – للهدي النبوي، كحسن الظن بالمخطئ وأخذه على ظاهره، واحترام شخصه، وعدم الهزء به، وحب الخير له، ونحوه مما عرضنا له إجمالاً في معالم منهجه.

ومن الأشياء التي أراها أكسبته ذلك المنهج المتميز هو اختلاطه بالناس على مختلف طبقاتهم، كبيرهم وصغيرهم، عالمهم وجاهلهم، حاكمهم ومحكومهم، فصارت لديه معرفة في نفسيات الناس، وكيفية مخاطبتهم والتأثير فيهم، والأساليب المثلى في توجيههم إلى الخير، وهدايتهم للطريق القويم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير