تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[فهد الجريوي]ــــــــ[19 Sep 2010, 09:44 م]ـ

رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه، تحقيق عبدالله بن محمد المديفر، الطبعة الثانية 1427هـ، دار عالم الفوائد. (إشراف الشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد).

1 ـ قال الله تعالى إخباراً عن المسيح: (وجعلني مباركاً أين ما كنت) أي معلماً للخير داعياً إلى الله، مذكراً به، مرغباً في طاعته، فهذا من بركة الرجل، ومن خلا من هذا فقد خلا من البركة، ومحقت بركة لقائه والاجتماع به، بل تمحق بركة من لقيه واجتمع به. ص3.

2 ـ أمرنا الله ـ سبحانه ـ أن نقول كل يوم وليلة عدة مرات: (اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين). فإن العبد مضطر كل الاضطرار إلى أن يكون عارفاً بما ينفعه في معاشه ومعاده، وأن يكون مؤثراً مريداً لما ينفعه، مجتنباً لما يضره. فبمجموع هذين يكون قد هُدِي إلى الصراط المستقيم. فإن فاته معرفة ذلك سلك سبيل المغضوب عليهم. وبهذا يعرف قدر هذا الدعاء العظيم، وشدة الحاجة إليه، وتوقف سعادة الدنيا والآخرة عليه. ص5 ـ 6.

3 ـ العبد مفتقر إلى الهداية في كل لحظة ونفس، في جميع ما يأتيه ويذره، فإنه بين أمور لا ينفك عنها:

أحدها أمور قد أتاها على غير وجه الهداية جهلاً، فهو محتاج إلى أن يطلب الهداية إلى الحق فيها.

أو يكون عارفاً بالهداية فيها، فأتاها على غير وجهها عمداً، فهو محتاج إلى التوبة منها.

أو أمور لم يعرف وجه الهداية فيها علماً ولا عملاً، ففاتته الهداية إلى علمها ومعرفتها، وإلى قصدها وإرادتها وعملها.

أو أمور قد هُدِي إليها من وجه دون وجه، فهو محتاج إلى تمام الهداية فيها.

أو أمور قد هُدِي إلى أصلها دون تفاصيلها، فهو محتاج إلى هداية التفصيل.

أو طريق قد هُدِي إليها، وهو محتاج إلى هداية أخرى فيها، فالهداية إلى الطريق شيء والهداية في نفس الطريق شيء آخر، ألا ترى أن الرجل يعرف أن طريق البلد الفلاني هو طريق كذا وكذا، ولكن لا يحسن أن يسلكه، فإن سلوكه يحتاج إلى هداية خاصة في نفس السلوك، كالسير في وقت كذا دون وقت كذا، وأخذ الماء في مفازة كذا مقدار كذا، والنزول في موضع كذا دون كذا، فهذه هداية في نفس السير قد يهملها من هو عارف بأن الطريق هي هذه، فيهلك وينقطع المقصود.

وكذلك أيضاً ثمّ أمور هو محتاج إلى أن يحصل له فيها من الهداية في المستقبل مثل ما حصل له في الماضي.

وأمور هو خال عن اعتقاد حق أو باطل فيها، فهو محتاج إلى هداية الصواب فيها.

وأمور يعتقد أنه فيها على هدى وهو على ضلالة ولا يشعر، فهو محتاج إلى انتقاله عن ذلك الاعتقاد بهداية من الله.

وأمور قد فعلها على وجه الهداية، وهو محتاج إلى أن يهدي غيره إليها ويرشده وينصحه، فإهماله ذلك يفوت عليه من الهداية بحسبه كما أن هدايته للغير وتعليمه ونصحه يفتح له باب الهداية، فإن الجزاء من جنس العمل، فكلما هدى غيره وعلمه هداه الله وعلمه فيصير هادياً مهدياً. 6 ـ 9.

ـ[فهد الجريوي]ــــــــ[25 Sep 2010, 02:13 ص]ـ

4 ـ أثنى الله سبحانه على عباده المؤمنين الذين يسألونه أن يجعلهم أئمة يُهتدى بهم، فقال تعالى في صفات عباده: (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما).

قال الفراء: إنما قال: (إماما) ولم يقل أئمة على نحو قوله: (إنا رسول رب العالمين)، ولم يقل: رسولا، وهو من الواحد المراد به الجمع، وهذا أحسن الأقوال، غير أنه يحتاج إلى مزيد بيان، وهو: أن المتقين كلهم على طريق واحد، ومعبودهم واحد، وأتباع كتاب واحد، ونبي واحد، وكتابهم واحد، فكأنهم كلهم إمام واحد لمن بعدهم، ليسوا كالأئمة المختلفين الذين قد اختلفت طرائقهم، ومذاهبهم، وعقائدهم، فالائتمام إنما بما هم عليه، وهو شيء واحد، وهو الإمام في الحقيقة. ص14 ـ 16.

5 ـ ولا يكون من أتباع الرسول على الحقيقة إلا من دعا إلى الله على بصيرة، قال الله تعالى: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني)، فقوله: (أدعو إلى الله) تفسير لسبيله التي هو عليها، فسبيله وسبيل أتباعه: الدعوة إلى الله، فمن لم يدع إلى الله فليس على سبيله. ص23.

6 ـ مما ينبغي أن يعلم: أن الصلاة التي تقر بها العين ويستريح بها القلب هي التي تجمع ستة مشاهد:

المشهد الأول: الإخلاص. وهو أن يكون الحامل عليها والداعي إليها رغبة العبد في الله، ومحبته له، وطلب مرضاته، والقرب منه، والتودد إليه، وامتثال أمره، بحيث لا يكون الباعث له عليها حظاً من حظوظ الدنيا ألبتة، بل يأتي بها ابتغاء وجه ربه الأعلى، محبة له وخوفاً من عذابه ورجاء لمغفرته وثوابه.

المشهد الثاني: مشهد الصدق والنصح. وهو أن يفرغ قلبه لله فيها، ويستفرغ جهده في إقباله فيها على الله، وجمع قلبه عليها وإيقاعها على أحسن الوجوه وأكملها ظاهراً وباطناً، فإن الصلاة لها ظاهر وباطن، فظاهرها الأفعال المشاهدة والأقوال المسموعة، وباطنها الخشوع والمراقبة وتفريغ القلب لله، والإقبال بكليته على الله فيها، بحيث لا يلتفت قلبه عنه إلى غيره، فهذا بمنزلة الروح لها، والأفعال بمنزلة البدن، فإذا خلت من الروح كانت كبدن لا روح فيه، أفلا يستحي العبد أن يواجه سيده بمثل ذلك! ولهذا تلف كما يلف الثوب الخَلِق ويُضرب بها وجه صاحبها، وتقول ضيعك الله كما ضيعتني.

المشهد الثالث: مشهد المتابعة والاقتداء. وهو أن يحرص كل الحرص على الاقتداء في صلاته بالنبي صلى الله عليه وسلم ويصلي كما كان يصلي؛ ويعرض عما أحدث الناس في الصلاة من الزيادة والنقصان، والأوضاع التي لم ينقل عن رسول الله شيء منها ولا عن أحد من أصحابه.

يتبع بإذن الله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير