ومِمّا ينبغي الإشارةُ إليهِ استغلالُ الشيخِ لموسمِ الحجِّ؛ذلكَ الحَدَثُ الإسلاميُّ المتكرِّرُ للتواصُلِ مع إخوانه المسلمينَ وتعليمهم، حيثُ يَصِلُ كُلَّ سنةٍ ما يَقْرُبُ مِن ثلاثةِ ملايينِ حَاجّ؛ فَأضْحَى أكبرَ تجمُّعٍ عالميٍّ وذلكَ بفضلِ الله تعالى ثُمَّ بما يسّرهُ مِن سهولةِ الوصولِ إلى مكّةَ المكرّمة، فالتزمَ الشيخ ُرحمه الله برنامجًا عِلْمِيًّا ودَعَوِيٍّا في هذا الموْسمِ العظيم مِن عام (1392 هـ) حتّى عام (1420 هـ). ()
الجانب الثالث: الصَّحْوَةُ الإسلاميةُ والنهضةُ العلميّة
بعدَ انجلاءِ الاستعمارِ العسكريِّ للدولِ الإسلاميةِ والعربيةِ بَقِيَ الاستعمارُ والغزو الفِكْرِيّ فَغَيَّبَ الأمّةَ عن دينها وأصبحَ الدينُ غريبًا جدًّا بينَ الشعوبِ،وأصبحَ المتمسِّكُ بِدِينهِ كأنّهُ حَيٌّ بينَ أَمْوَاتٍ؛ حَتّى أَذِنَ الله ? بِصَحْوَةِ الأمّةِ الإسلاميّةِ وعَودتِهَا إلى دينها والاستمساكِ بكتابِ ربّها وسنّةِ نبيّها؛ وتَبِعَ ذلكَ نهضةٌ علميّةٌ وهو مَحْضُ فضلِ الله تباركَ وتعالى، ولقد عاشَ الشيخُ ابن عثمينَ رحمه الله في أكثرِ عُمُرِهِ في مَرحلةِ ما قبلَ الصَّحْوَةِ؛ ولمّا أتَتْ الصَّحْوَةُ أصبحَ مِن أَبْرَزِ عُلمائِهَا ودعاتها والتَفَّ حولهُ الناسُ،وغَدَا مَرْجِعِيَّةً علميّةً، يشهدُ لذلكَ انتشارُ كُتُبِهِ وحرصُ الناسِ على فتاويه، فرحمه الله رحمةً واسعةً، وجزاهُ عن الإسلامِ والمسلمينَ خيرَ الجزاء.
ثانيًا: اسْمُهُ ونَسَبُه
هو أبو عبد الله، محمد بن صالح بن سليمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أحمد بن مقبل؛ مِن آل مقبل؛ مِن آل رَيِّسْ الوهيبي التميمي، وجَدُّه الرابع عُثْمَان أُطْلِقَ عليه: عثيمين؛ فاشتهرَ بهِ، وهو مِن فخْذ – وْهَبَه – مِن تميم، نَزَحَ أجدادهُ مِن الوَشْمِ إلى عنيزةَ.
ثالثًا: مَوْلِدُهُ
وُلِدَ الشيخُ في مدينةِ عنيزةَ - إحدى مُدُنِ القصيم - عامَ (1347 هـ) في السابعِ والعشرين مِن شهر رمضانَ المباركِ.
رابعًا: أُسْرَتُهُ
تُوفيَّ الشيخُ وفي عِصْمَتِهِ امرأةٌ واحدةٌ أنجبَ مِنهَا خمسةً مِن الذكورِ وثلاثًا مِن البناتِ، وأسماءُ أولادهِ الخمسةِ:
عبد الله؛ وهو أكبرهم وبهِ يُكَنَّى، وعبد الرحمن، وإبراهيم، وعبد العزيز، وعبد الرحيم وهو أصغرهم.
كما أنّ للشيخِ رحمه الله اثنانِ مِن الأخوةِ هُمَا:
د. عبد الله، والأستاذ. عبد الرحمن.
خامسًا: وَفَاتُهُ
في عامِ 1420 هـ اكتشفَ الأطباءُ بعدَ جملةٍ مِن الفحوصاتِ مَرَضَ الشيخِ رحمه الله بسرطانِ القولون، وبدأَ الشيخُ رحلةً علاجيةً مع هذا المرضِ إيمانًا مِنهُ بفعلِ الأسبابِ، وفي عَصْرِ يومِ الأربعاءِ الخامس عشر مِن الشهرِ العاشرِ مِن عام 1421 هـ كانَ مَوعدًا لرحيلهِ مِن هذه الدنيا عن عُمُرٍ يُناهز الرابعةَ والسبعين قضاها في خدمةِ الإسلامِ والمسلمين حتّى آخرَ أيامِ حياتهِ؛ حيثُ استمر في إلقاءِ دروسهِ المعتادةِ في شهر رمضانَ رغم حالتهِ الصحيّةِ الصعبةِ، فكانَ يُلقِي دروسهُ والأوكسجين على أَنْفِهِ، وقد حضرتُ جُملةً مِن هذه الدروسِ وواضحٌ فيها أثرُ المرضِ على حديثهِ؛ بل وعلى قوّةِ استيعابهِ، وكأنَّ الشيخَ رحمه الله قد أحسَّ بقربِ أجلِهِ حينما وَدَّعَ طلابهُ في اليومِ التاسع والعشرين مِن رمضان حيثُ خَتَمَ درسهُ بقولهِ:" لَعَلِّي لا ألقاكم بعد عامي هذا " فرحمَ الله الشيخَ رحمةً واسعةً وأسكنهُ فسيحَ جنّاتهِ. ()
وكانت وفاتهُ رحمه الله في مدينةِ جدّة، وصُلِّيَ عليهِ في المسجدِ الحرامِ يومَ الخميسِ عَصْرًا وحضرَ جنازتهُ جمعٌ غَفَير، وَدُفِنَ في مقبرة العدْل بمكة المكرمة بجوار قبر شيخهِ الشيخُ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله.
المبحث الثاني: حياته العلميّة
أولاً: شُيوخه ()
لم يُكثِر الشيخُ رحمه الله مِن المشايخِ والتتلمذِ عليهم، واكتفى بمشايخِ بلدهِ ولم يَرحل لطلبِ العلمِ إلاّ مرّةً واحدةً وكانت إلى الرياضِ، وذلكَ للدراسةِ النظاميّةِ في المعهدِ العلميِّ وكانَ ذلكَ عام (1372 هـ) ()، وبدأَ الشيخُ رحمه الله في طلبِ العلمِ عامَ (1360 هـ) وعُمُرُهُ آنذاكَ (14) سنة ()، وأبرزُ مشايخهِ هم:
¥