تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وبهذا يُعلََم تقديم السمع على البصر، ثم تقديمهما على الفؤاد في قوله تعالى:? وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ? (الإسراء:36)

وكثيرًا ما يكون السياق مقتضيًا تقديم صفة السميع على صفة البصير؛ بحيث يكون ذكرها بين الصفتين متضمِّنًا للتهديد والوعيد؛ كما جرت عادة القرآن بتهديد المخاطبين, وتحذيرهم، بما يذكره من صفات الله جل وعلا، التي تقتضي الحذر والاستقامة؛ كقوله تعالى:

? إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآَخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا * مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا? (النساء:133 - 134).

فقدَّم صفة السميع على صفة البصير؛ لأن الأول أوقع في باب التهديد والتخويف؛ ولهذا كان أولى منه بالتقديم.

ولما كان قوله تعالى:? وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ ? خبرًا يتضمَّن التخويف والتهديد والوعيد، قدِّم السميع على البصير؛ كما قِّدم على العليم في نحو قوله تعالى:?قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ? (المائدة:76)؛ ولهذا كان تقديمه أهمَّ، والحاجة إلى العلم به أمسّ .. فتأمل!

ثم قال تعالى:?إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ?، فخصَّ صفته- التي هي القدرة- بالذكر دون غيرها؛ لأنه تقدم ذِكرُفعلٍ مُضَمَّنُه التخويف والتهديد والوعيد؛ وهو الذهاب بالأسماع والأبصار. هذا أولا.

وأما ثانيًا فلأن القدرة هي التمكن من إيجاد الشيء. وقيل: هي صفة تقتضي التمكن. وقيل: قدرة الإنسان هيئة بها يتمكن من الفعل، وقدرة الله تعالى عبارة عن نفي العجز عنه سبحانه. والقادر هو الذي، إن شاء فعل، وإن لم يشأ لم يفعل، والقدير هو الفعَّال لما يشاء على ما يشاء؛ ولذلك قلَّما يوصف به غير الباري جل وعلا.

فتأمل هذه اللمحات اللطيفة، واللطائف الدقيقة، والأسرار البديعة في البيان الأعلى، واعلم أن أسراره أكثر وأعظم، من أن تحيط بها عقول البشر .. فسبحان من جعل كلامه لأدواء الصدور شافيًا، وإلى الإيمان وحقائقه مناديًا، وإلى الحياة الأبدية ونعيمها داعيًا، وإلى طريق الرشاد هاديًا، بما أودع فيه من هذه الأسرار المعجزة، التي تشهد بأنه تنزيل من حكيم حميد، والحمد لله الذي خلق الإنسان، وعلمه البيان حمدًا بعدد كلماته التي لا تنفد، وصلى الله على عبده ونبيه محمد إمام البلغاء، وسيد الفصحاء، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا!!

لمراسلة المؤلف: [email protected]

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير