ربّما كانَ الأسينِيِّونَ Essenes أعجبَ طائفةٍ في تاريخِ الأديانِ. وما هؤلاءِ الأسينيّونَ إلاّ شبابٌ قاموا يُقاوِمونَ قَوْمَهُمْ، بِالنُّصحِ والموعظةِ؛ إذْ دَنََّسَ هؤلاءِ القومُ التوراةَ، وارْتَدُّوا عَنْ شرعِها، وعَنْ ملَّةِ التوحيدِ، فذبحوا للأوثانِ، واتَّخذوا التقويمَ القمريَّ.
لقد حاولَ اليونانُ في عهدِ "أنطيوكس إيبيفانوس" في القرنِ الثاني قبلَ الميلادِ (176 ق. م – 164 ق. م) توثينَ إمْبَراطورِيَّتِهِمْ، وفي جُمْلَتِها سُكّانُ فَلَسْطينَ، إذْ كانتْ في احتلالِهم منذُ 333 ق. م.
وكانَ ضمنَ سكانِ فلسطينَ عصرَئذٍ أقَلَِّّيّةٌ عبريّةٌ معظمُها مُتَهَوِّدٌ، وقدْ جرفَهُ التَّوَثُنُ؛ وكان فيها بَقِيَّةٌ من الشبابِ مُحافِظٌ على التوراةِ غيرِ المحَُرَّفَةِ، فقاوموا التوثينَ، واعتزلوا مجتمعَهم الكافرَ، وتَشَكَّلَتْ مِنْ بينِهم: "طائفةُ الأسينِيِّينَ"، بقيادةٍ "معلّم الحقِّ". وقد جعلتْ هذه الطائفةُ الحفاظَ على التوراةِ، وعلى كتبِ الشرعِ الأخرى، أوجبَ واجباتِها. ولهذا الهدفِ قامتْ بحفرِ مجموعةٍ من الكهوف السرّيّةِ في قفارِ قمران، حيثُ كانتْ تبعثُ إليْها سرّيّاً في كلِّ ليلةٍ مجموعةً من الفتيةِ يقومونَ الليلََ أثلاثاً وهم يتلون تراتيلََ توحيديّةً من مخطوطِ "الهودايوت"، أي الهدايات.
وتعرضتْ طائفةُ "الأسينِيّينَ" للاضطهادِ العنيفِ على يدِ سلسلةٍ منَ الملوكِ الكهنةِ في عهدٍِ المكّابِيّينَ (165ق. م – 63ق. م) الذين توثّنوا واتّبعوا اليونانَ. وقدْ بلغَ الاضْطهادُ للأسينيّينَ ذُرْوَتَهُ في عهدِ الكسندر جانيوس (103ق. م–76ق. م)، حتى وصلَ به الأمرُ في السنة الثانيةِ من حكمِهِ إلى مهاجمةِ أريحا ومحيطِها بشكلٍ مباغتٍ، في يومِ عيدِ الغُفرانِ، وقَتَلَ منهم المِئاتِ.
كيف تشهد المخطوطاتُ أنَّ محمداً، عليْهِ الصلاةُ والسلامُ، رسولُ اللهِ تعالى؟
أولاً – ذكر محمدٍ في المخطوطات.
يوجد بين مخطوطات قمران أقدم نسخِ التوراة والأسفار الشارحة لها. ويبدو واضحاً أنَّ أحبارَ اليهود يمنعون كشف هذه النسخ مخافةَ أن يعرفَ الناسُ تبشيرَها بمجيء الرسول محمد، عليه الصلاة والسلام.
ثانياً- احتواءُ المخطوطات على نصوصٍ غير محرفةٍ تتوافقُ مع ما قصَّهُ القرآن الكريم عن كثيرٍ من أمورِ بني إسرائيل وعن اختلافاتهم.
ثالثا- ارتباط قصة "أصحاب الكهف والرقيم" بمخطوطات البحر الميت وطائفة "الأسينيّين" ارتباطاً وثيقاً وتفصيليّاً.
فكيف تشهدُ المخطوطاتُ على صدق نبوة الرسول محمد عليه السلام من خلال ذلك الربطِ؟
لقد كانت المخطوطات مخبّاةً في كهوف قمران من قبل ميلاد المسيح عليه السلام بنحو قرنٍ إلى أن اكتشفها رعاة التعامرة في العام 1946م. ومعنى هذا أنَّ "محمدا" عليه السلام قد عاش في فترةٍ لا علمَ للناس أثناءها بالمخطوطات وما تحتويه وما يرتبط بها.
فماذا جاء في قصة القرآن ممّا كشفت عنه مخطوطات البحر الميت؟
1 - بين القرآن أنَّ "أصحاب الكهف والرقيم" كانوا شباباً: "إنَّهم فتيةٌ". وقد تبيّنَ أنَّ "طائفة الأسينيّينَ" كانت تتكوّنُ من الشباب.
2 - الرقيم في اللغة هو المخطوط، وقد كانت طائفة الأسينيّينَ تسمي كتبَها:"روقموت"، وهي في العبريّةِ جمعُ "روقماه" وتعني المخطوط.
3 - عرفتْ طائفة الأسينيّينَ باسم: "المغائريّين"؛ وذلك لأنّهم كانوا يحتفظون بكتبهم ومخطوطاتهم في الكهوف .. وما دام الرقيم هو الكتاب أو المخطوط فإنَّ "أصحاب الكهف والرقيم" هم أولئك المغائريّون.
4 - اتخذ الأسينيون الكهوفَ تنفيذاً لهذا الأمر: "قوموا في القفرِ سبيلاً لله". وجاء في القرآن: "إذْ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض".
5 - هربَ الأسينيون إلى الكهوف السريةِ في قمران من "قومِهم" الذين توثّنوا، في سبيل الحفاظ على عقيدة التوحيد، بعدَ تعرُّضِهم لعملّيات ومحاولات الاضطهاد والمذابح، والإعادة في ملةِ الكفر .. ويخبرنا القرآن أنَّ الفتيةَ هربوا من "قومِهم" الذين توثّنوا في سبيل الحفاظ على عقيدة التوحيد بعد تعرُّضِهم لعمليات ومحاولات الاضطهاد والتقتيل، والإعادة في ملة الكفر.
6 - كان الأسينيون يحرصون كلّ الحرص على طهر وزكاء الأطعمة. وقد بيّن القرآن الكريم حرص الفتية البالغ على طهرِ وزكاء الأطعمةِ.
¥