قال ابن كثير في "التفسير": إنما سميت الجمعة جمعة لأنها مشتقة من الجمع، فإن أهل الإسلام يجتمعون فيه في كل أسبوع مرة بالمساجد الكبار".
وقال: "وقد أمر الله المؤمنين بالاجتماع لعبادته يوم الجمعة .. .. وذكر الآية".
ولأهمية الذكر يوم الجمعة فقد سبق بمجموعة من الفروض والمستحبات لتحقيق أس مهم من أسس المنهج النبوي ألا وهو اجتماع الكلمة وعدم تفرقها وهي:
1 - الاستعداد للجمعة بالتطهر البدني التابع للتطهر القلبي.
2 - السعي بالتبكير للاجتهاد في المضي إلى الجمعة على نية صالحة وجوارح خاشعة.
3 - الاستعداد السمعي التام لخطبة الإمام يوم الجمعة للحصول على الصفاء الذهني من أجل استيعاب الخطبة، ولخصت السنة هذا الاستعداد على النحو التالي:
أ - بالإضافة إلى ما سبق نهى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن التحلق للذكر قبل صلاة الجمعة.
ب - وأمر بالدنو من الإمام.
ج - وأمر بإقصار الخطب، ونهى عن إطالتها.
د - وأمر بالإنصات للخطيب والتفرغ الكامل لذلك.
ولما كانت الجمعة للاجتماع من أجل التزكية وتعلم الكتاب والحكمة للوصول إلى وحدة الكلمة بناء على الكتاب والسنة، كان من مقصودها بيان مسمى الصف إذ السورة تلت سورة الصف نزولاً، وتلتها ترتيباً في المصحف.
فسورة الجمعة مقصودها بيان أول الصف واسمها الجمعة كما قال البقاعي ـ رحمه الله ـ:"أنسب شيء فيها لهذا المقصد بتدبر آياته وتأمل أوائله وغاياته الحاثة على قوة التواصل والاجتماع".
وبين السورتين من الارتباط ما يجعل المسلم عاجزاً عن دفع الحجة التي أقامها الله عن نفسه إذا هو أخل بالصف، أو أخلف بالكلمة، مع العلم أن السورتين تكرر النداء فيهما بـ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا).
قال الإمام أبو جعفر بن الزبير: "لما ختمت سورة الصف بالثناء على الحواريين في حسن استجابتهم وجميل إيمانهم، وقد أمر المؤمنين بالتشبه بهم في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ .. (14) كان ذلك مما يوهم فضل أتباع عيسى ـ عليه السلام ـ على أتباع محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاتبع ذلك بذكر هذه الأمة، والثناء عليها".
في"جامع الترمذي" كتاب الجمعة، باب ما جاء في القراءة في صلاة الجمعة: "استخلف مروان أبا هريرة على المدينة وخرج إلى مكة، فصلى بنا أبو هريرة يوم الجمعة فقرأ سورة الجمعة، وفي السجدة الثانية إذا جاءك المنافقون، قال عبيد الله: فأدركت أبا هريرة فقلت له: تقرأ بسورتين كان علي يقرأ بهما بالكوفة؟! قال أبو هريرة: أني سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقرأ بهما".
والحديث أخرجه مسلم، وأبوداود، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
ومعلوم أن سورة "المنافقون" تتلو في ترتيب المصحف سورة الجمعة، مما يشعر أن مخالفة الفعل القول نفاق في الجملة. وقد جاء الزجر للمؤمنين في مطلع سورة الصف واضحاً بقوله ـ تعالى ـ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ (2).
الخطبة الثانية
فلا يفهم الباب الأول الذي أشرنا إليه في مقدمة المقال وهو باب التبليغ وأداء ما يلزمه من البيان القائم على الكتاب والسنة في جمع كلمة المسلمين وتوحيد صفهم إلا بالإخلاص لله ـ تعالى ـ وسورة الصف نزلت بعد سورة التغابن، وفي سورة التغابن مقاصد مهمة تمهد لمعاني مهمة وردت في سورة الصف.
فكان من هذه المعاني قوله ـ تعالى ـ: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (5) ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (6).
وقوله ـ تعالى ـ: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8).
¥