تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[عمرو خالد ومسألة التعايش 4]

ـ[فتحي قاسم]ــــــــ[04 - 07 - 2007, 08:09 م]ـ

[عمرو خالد ومسألة التعايش 4]

مفهوم التعايش إذن مفهوم غريب عن الإسلام بل وأزيد الأمر تأكيد وبيانا فأقول إنه مفهوم ضار يؤدي إلى إعوجاج فهمنا للإسلام كما يساهم في إضعاف وانحراف الآليات العقلية التي نستخدمها في تناولنا لمسائل الحياة والدين فضرره إذا إن صح التعبير يظهر أثره في الشكل والمضمون معل وهو أمر سيتضح بعون الل تعالى مع تقدمنا في بحث وعرض المسألة ولكن ما علينا الآن فعله هو أن نزيد صورة هذه الغرابة وضوحا للعقول التي تبغي الفهم حقا دون أن تسوقها نوازع الهوى في مجارس سوء الفهم أو يدفعها سوء الفهو النتأصل فيه إلى سوء فهم جديد فتظل تدور في حلقة من الفهم السقيم لا إنفكاك منها.

وكنت قد بينت في كلام سابق أن هذه الغرابة تتبدى أول ما تتبدى في الغرابة اللفظية حيث لا يمكن لنا العثور عليه لفظا في مجمل التص الديني الأصلي من الكتاب والسنة ولا في الخطابات الدينية لأئمة الدين وعلمائه على إمتداد قرون طويلة. ومع تسليمي بأن هذا الأمر في حد ذاته قد لا تترتب عليه غرابة المفهوم أعني إن غرابة المفهوم لا تترتب بالضرورة عن غرابة اللفظ إذ قد يعود الأمر إلى ما يلحق باللغة من تجدد وتوسع في الألفاظ بالإضافة إلى ما قد يستجد على أرض الواقع على الصعيد المادي والصعيد المعنوي مما لم يكن معروفا ولا مألوفا في أزمنة مضت فتسارع اللغة إلى إعطائه لفظا يعبر عنه حيث من الممكن أن نلاحظ أن ارتقاء الحياة الإنسانية يدفع إلى السطح اهتمامات وتوجهات لم تكن ذات بال أو لم يكن يلتفت إليها فيما سبق من زمن وبالتالي يعبر عن تلك المستجدات الطافية على السطح بمفاهيم ذات ارتباط فيما تشحن به من معان بحقائق الحياة على أرض الواقع. غير أن للمسألة أوجه أخرى قد لا تتوفر في المسألة قيد البحث بالنسبة لنا فلو اعترض البعض علينا بمفهوم الديمقراطية مثلا وهو مفهوم لا شك في غرابت اللفظية عن المجال الفكري الإسلامي لقلنا كما كان يقول أسلافنا إن القياس هنا هو قياس مع الفارق فمفهوم الديمقراطية هو من جهة أولى مفهوم طرح ليعبر عن عن واقع إنساني سياسي معاش فهو – بغض النظر عن اختلافنا حوله – يفرضه على العقل وعلى ساحة الفكر واقع حياتي معاش مما يكسبه وجودا لا سبيل إلى نكرانه وهو أمر يختلف لالنسبة لمفهوم التعايش ثم من جهة ثانية فإن مفهوم الديمقراطية يأتينا من فضاء فكري آخر مغاير لفضاء الدين وإن كان يتداخل معه شأن كل الفضاءات الفكرية في عالم غلإنسان وأقصد بذلك فضاء الفكر السياسي في حين أن مفهوم التعايش يطرح علينا بوصف مفهوما دينيا في الأساس وهو ما يؤدي في التهاية إلى حصول اختلاف كبير في طريقة التعامل مع المفهومين من وجهة نظر الدين فإذا لم يكن مطلوبا من الفكر الإسلامي أن يعترف بمفهوم الديمقراطية عنصرا داخليا ينبت في عالمه فإنه يكون مطالبا بهذا حين يتعلق الأمر بمفهوم التعايش.

فإذا ما تجاوزنا مسألة غرابة اللفظ إلى ما يتعلق بالمعنى صار علينا أن نحدد حقيقة مفهوم التعايش وهنا جاز لي أن أقول إن مفهوم التعايش يمكن أن يفهم من جهة تعبير عن فضيلة أخلاقية كما إنه يمكن أنه يمكن أن يفهم على مستوى آخر بوصفه يعبر عن قيمة عليا وهذا يعني باختصار أنةالتعايش يمكن أن يتناول بوصفه فضيلة كما يمكن أن يتناول بوصفه قيمة وبين الطرفين اختلاف وجب إيضاحه لأهميته في فهم مسألتنا قيد النظر.فأما الفضيلة فهي مفهوم سلوكي أخلاقي بسيط غير مركب لا يتضمن إلا ذاته ويعمل عمله بصورة مباشرة في نطاق سلوك الفرد فيكون له تعلق مباشر بالنية. فلو نظرنا إلى الكرم على سبيل المثال فليس من الصعب أن ندرك أنه فضيلة فالكرم مفهوم بسيط غاية في البساطة ولا يتضمن معناه شيئا سوى الكرم نفسه فهو في توحد تام مع ذاته حتى إنه لا يعبر إلا عنها كما أنه يمكن للنية أن تتعلق به مباشرة في حين يتمثل هو السلوك تمثلا مباشرا دون توسط من أمر آخر غيره وهم ما ذات ما يمكن أن يقال عن التواضع والإيثار واللرحمة بالضعيف وبر الوالدين وغير ذلك من كل ما يمكن ضمه للسلسلة الواسعة للفضائل. لكن الأمر ليس على هذه الصورة بالنسبة لمفهم التعايش فهو أولا مفهوم مركب يتضمن في داخله عددا غير محدد من أصناف السلوك المختلفة فبوسعك أن تدخل فيه غلإحسان إلى الجار وصلة ارحم وإغاثة الملهوف وإنظار المعسر وإفشاء السلام وعيادة المريض وحفظ الأمانة وغير ذلك من حالات السلوك الفردي النتباينة. وهذا يعني من جهة ثانية أن هذا المفهوم ليس له تعلق مباشر بالفعل الأخلاقي إذ يحتاج لتحقيق ذلك لتوسط هذه المفاهيم اتي يتضمنها والتي ذكرنا بعضها على سبيل المثال وهنا يحق لك أن تتساءل عن القيمة العملية لهذا امفهوم ثم يكون لك أن تتساءل بعد ذلك عن القيمة الدينية له لا سيما أن الفهم الإسلامي لحقيقة العمل كما لقيمته يرتبط ارتباطا وثيثا بالنية وهو ما بينه الحديث النبوي الشريف (إنما ألعمال بالنيات). فما هي القيمة التي تكون للتعايش لو راعينا هذه الحقيقة حيث لا يكون للنية ارتباط مباشر بهذا المفهوم وعلى ذلك يكون من السهل أن تتصور حصول نية العفو أو نية الصدق وكذلك الأمر بالنسب لصلة الرحم وإفشاء السلام وإماطة الأذى عن الطريق وعيادة المريض ولا يخرج عن ذلك أي من الفضائل المعروفة مما يتيح دخول كل هذه الأفعال في دائرة السلوك الديني في حين لا يتوفر ذلك للتعايش إذ ليس من السهل تصور وجود نية التعايش لدى الفرد وليس من السها أن نتخيل أن هذا التعايش المزعوم قد خطر ببال أحد أثناء أية ممارسة أخلاقية على إمتداد التاريخ الأسلامي منذ لحظته الأولى وحتى وقتنا هذا فلقد كان الجميع يتحركون وفقا لمنظومة أخلاقية تحتلها مجموعة الفضائل المعروفة حيث لا مكان فيه إطلاقا للمفاهيم النظرية الغامضة وغير المحددة.

وبعد أن علمنا أنه ليس بالإمكان استيعاب مفهوم التعايش في النظام الأخلاقي للفضائل الإسلامية لسبب بسيط وهو إن التعايش ليس بفضيلة تبقى علينا أن ننظر فيع باعتباره قيمة لنرى إن كان بالإمكان استيعابه إسلاميا بهذا الوصف أم لا.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير