تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[القرآن وحروف الزيادة]

ـ[مصطفى السامرائي]ــــــــ[14 - 07 - 2007, 11:29 م]ـ

يذهب علماء النحو وبعض علماء التفسير الى القول بالحروف الزائدة، وأنَّ الحرف الزائد يفيد التوكيد، ولو حذف لما تغير المعنى، وطبقوا هذه القاعدة على القرآن الكريم، وهذا في منتهى البعد؛ لانَّ القرآن له قواعده الخاصة به؛ فعلى سبيل المثال حرف (قد) يقول النحاة: اذا سبق الفعل الماضي أفاد تحقيق الفعل مثل قولك: (قد أكرمت زيدا) أي أنَّ الاكرام لزيد متحقق، واذا سبقت الفعل المضارع أفاد التقليل، مثل قولك: (قد يجود زيد)، وقد لا يجود.

هذا في كلام الناس، فما هو معناها في كلام رب الناس (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا) [البقرة: 144]، (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ) [الأنعام: 33]، هل تعني أنَّ الله قد يرى تقلب وجه النبي صلى الله عليه وسلم وقد لا يرى، وقد يعلم وقد لا يعلم؟؟!!

معاذ الله. انَّه رب العالمين الذي يعلم السر وأخفى، وانَّما (قد) في القرآن للتحقيق سبقت الفعل الماضي، أو الفعل المضارع.

ومثلها (عسى) و (لعل) عند علماء العربية تفيد ترجي حدوث الفعل، مثل قولك: (لعل زيدا يتصدق) (عسى زيد يتصدق) فهو ترجي في تصدقه؛ وقد يتصدق وقد لا يتصدق.

هل (عسى) و (لعل) في القرآن للترجي أيضا؟

لا، وانَّما هما للتحقيق فليس عند الله ترجي.

قال تعالى عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً) [النساء: 84]، (فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوّاً غَفُوراً) [النساء: 99]، (فعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) [المائدة: 52]، (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ) [التوبة: 18]، وغيرها، والمعنى: يكف الله بأس الذين كفروا، ويأتي بالفتح، وعمَّار المساجد من المهتدين.

ومثلها (لعل) في القرآن:

قال تعالى): يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 21]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183]، فلعل هنا ليست للترجي وانَّما لتكونوا من المتقين.

ويقول علماء النحو: أنَّ (ما) حرف زائد في قوله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمران: 159]، في حين أنَّ علماء المعاني يذهبون الى أنَّ إسقاط (ما) من الآية يغير التعبير، فيجوز عند ذلك أن تكون الرحمة وغيرها سبباً للين، وأما دخول (ما) هنا فقد أفاد أنَّ الرحمة دون غيرها سببه.

ويقول علماء النحو أيضا: أنَّ (أن) تكون زائدة بعد (لما) في حين أنَّك لو حذفت (أن) لتغير المعنى، ويتضح لك عمل (أن) بعد (لما) في قوله تعالى يحكي حال يعقوب عليه السلام: (فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً) [يوسف: 96].

فورود (أن) بعد (لما) وقبل الفعل يدل على أنَّ حدوث الفعل، أي مجيء البشير، قد رافقه تراخ وابطاء، فإذا نظر في قصة يوسف مع أخوته منذ ألقوه في الجبِّ إلى أن جاء البشير إلى أبيه وجُد أنَّه كان ثَمّ ابطاء بعيد، وقد إختلف المفسرون في طول تلك المدة، ولو لم يكن ثم مدة بعيدة، وأمد متطاول لما جيء بـ (أن) بعد (لما) وقبل الفعل، بل كانت تكون الآية (فلما جاء البشير ألقاه على وجهه).

لقد فات النحاة إذن أن يدركوا المعاني الثانية للألفاظ، حتى قال إبن الأثير عن هذه المعاني أنَّها رموز ودقائق لا تؤخذ من النحاة، لأنَّها ليست من شأنهم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير