تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[موسم الهجرة إلى إسرائيل]

ـ[فتحي قاسم]ــــــــ[15 - 07 - 2007, 01:37 م]ـ

[موسم الهجرة إلى إسرائيل]

للأديب السوداني الطيب صالح رواية مشهورة بعنوان " موسم الهجرة إلى الشمال " تناول فيها ي سياق أدبي مسألة من أهم المسائل الفكرية المعاصرة هي قضية العلاقة مع الآخر في وقت كان يدور فيه الكلام عن الشرق والغرب كما عن الشمال والجنوب وقد اختار الأديب السوداني العلاقة الأخيرة أي ما يكون بين الشمال والجنوب محورا لروايته المذكورة. واليوم وبعد مرور سنوات على صدور هذه الرواية اتخذت الهجرة للشمال أبعادا جديدة منها ما هو ذي صبغة مأساوية فصار الشمال حلما يهيمن على عقول لكثيرين ن أهل الجنوب في يقظتهم قبل منامهم وتعددت الطرق المسلوكة نحو هذا الحلم فركب الناس الصعب والذلول نحوه أو هم لم يجدوا لركوبهم سهلا ذلولا فركبوا من الصعب أصعبه حيث لم يجدوا لهم مركبا سواه وصار البحر على موعد متكرر مع الأجساد السمراء يلفظها جثثا باتجاه الشاطيء أو يترك البعض منها طعاما لأسماكه. وهل توقفت أرتال الهجرة بعد كل ما ظهر من مآسي الموت والغرق؟ أم ظل الحلم يرفرف في سماء الجنوب ويداعب مخيلة أهله ويدعوهم لركوب بحر كان لغيرهم قبرا؟ لقد تكفلت وسائل الإعلام الحديثة بالإجابة عن هذا السؤال لا بالكلمة المكتوبة فقط بل بالصوت والصورة أيضا وما كان لأحد بعد أن يسمع ويرى أن يشك ولو بمثقال ذرة في صحة الإجابة التي لغرابتها كان لابد أن تثير سؤالا ينقب عن سبب ذلك إذ كيف يمكن لإنسان أن يلقي بنفسه في بين براثن مجهول قد يكون في أحوال كثيرة هو الموت وهو لو بقي بأرضه فعلى أقل تقدير لن يموت بإذن الله فمن بقي دائما أكثر ممن هاجر. ولعلنا نقترب من حقيقة المسألة لو حاولنا تحديد السبب الكامن وراء هذه الهجرة القاتلة وأعلم أن أول ما يخطر على البال بهذا الخصوص هو الفقر وسوء الأحوال افقتصادية ولكني أرى أن ذلك لا يعطي مبررا فعليا وكافيا لمسألتنا فإن ما هو أسوأ في باب الفقر هو حال المجاعة التي يعاني منها الكثير من أهل الجنوب لكن هؤلاء الذين طحنتهم رحى المجاعة ليسوا هم الذين يهاجرون ولعل العين التي ترى صور هؤلاء المهاجرين وصور آولئك الذين صيرهم الجوع أجساما تكاد تضيق عن أرواحها لعلها تدرك أن الجوع ليس هو الدافع ثم لو كان الأمر يتعلق بضيق حال المعيشة فقط لانتهت الهجرة إلى دول ذات وفرة مالية وأقرب مسافة كما يحدث فعلا للملايين الذين يغادرون بلدانهم طلبا للرزق دون لجوء إلى ركوب مخاطر قد تجعل الخاتمة هي الموت أو في أحوال أخرى مكابدة مشاق تنتهي في مراكز إيواء تشبه السجون ثم ترحيل كل إلى بلده بعد أن يكون قد أنفق على رحلته البائسة كل ما يملك.

ولو قلبنا الأمر على أسبابه المختلفة سينتهي بنا الحال إلى الإقرار بأن كل سببب منها يعجز بمفرده عن أن يكون دافعا فعليا لهذه الاندفاعات المميتة مما يجعلنا نتصور الأمر اندفاعة نحو الحلم الحلم الذي تمثله أوربا أوربا الحلم لا أوربا الواقع. وكل حلم هو حصيلة التفاعل بين طرفين الواقع المعاش والمراد المبتغى ففي حالتنا يكون هذا الحلم ناتجا عن التفاعل بين عوامل طرد من جهة وعوامل جذب من جهة أخرى وعلى الطرفين قد تكون العوامل المعنوية أكثر حضورا من العوامل المادية مما يجعل الحلم حلما بحياة أفضل حياة ذات طابع سحري لا تعطيك تفاصيلها لكنها تكون كفيلة بإشاعة حالة من الرضى والسرور في التفس وهو ما يعني أن قرار الهجرة تتخذه المخيلة لا العقل.

علينا إذن أن نوجه المظر باتجاه الصورة الكلية للحياة في أوربا ونقارنها مع ذات الصورة على الجانب اآخر حيث تمثل الأولى الصورة الجاذبة في حين تمثل الثانية الصورة الطاردة.

إن ما يبدو أنه إنساني جميل لامع براق هو ما يمثل عامل الجذب في الصورة الأولى وما يبدو أنه غير إنساني قبيح باهت كئيب هو ما يمثل عامل الطرد عاى الجانب الآخر.

وعند هذه النقطة نتبين أن مسألة الهجرة هي في بعض مناحيها مسألة ثقافية تتعلق بقضية الهوية وحال الرضى عن النفس والعلاقة مع الآخر.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير