تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[عمرو خالد ومسألة التعايش 5]

ـ[فتحي قاسم]ــــــــ[04 - 07 - 2007, 08:12 م]ـ

[عمرو خالد ومسألة التعايش 5]

إذا كان النظام الأخلاقي للإسلام لا يحتوي التعايش ضمن دائرة فضائله لعدم اعتبار التعايش فضيلة أخلاقية فهل يكون من الجائز القول إن النظام المعرفي للإسلام يتضمن التعايش بوصفه قيمة؟ هذا ما يتوجب علينا بحثه هنا وأجد من الملائم لسلامة العرض أن نضع القطار من البداية على حديد السكة فأبادر إلى القول ان مفهوم التعايش يبقى غريبا عن النظام المعرفي للإسلام لسبب أرجو من الجميع حسن إدراكه دون تعجل من شأنه أن يقع بهم في سوء فهم غير محمود ويتمثل هذا السبب في أن مفهوم القيمة ذاته مفهوم غريب عن النظام المعرفي للإسلام الذي يقوم على مفاهيم واضحة ومحددة تتلاحم مع الواقع في تفاصيله وتحتضنه في تشعباته وهو ما يشكل نقطة جوهرية في صلاح الإسلام للتعاطي مع الواقع فضلا عن تحقق ماهيته الدينية.

فعلينا أن نعي أن القيمة تمثل فكرة عليا ذات استقلالية ووجود منفصل عن أية منظومة فكرية مما يتيح لها أن تكون أ – ميزانا ومرجعا للحكم على المنظومة الفكرية ب – مصدرا تستقى منه الأفكار وتبنى مما يتولد منه المنظومات الفكرية. فإذا كانت الشيوعية قد بنيت بشكل أساسي على قيمتي العدالة والمساواة فإن الرأسمالية قد بنيت على قيمتي الحرية والفردية. وعلينا أن نلاحظ عدم إمكانية الجمع بين هذه القيم المختلفة في مرتبة واحدة او في نظام معرفي واحد إذ أن هذه القيم من شأنها التضارب والمدافعة مع عجز أي منها عن استيعاب الواقع الإنساني البالغ التعقيد والتفصيل وهو ما يفسر فشل كل الفلسفات الإجتماعية التي مثلتها الأنظمة البشرية المتعددة التي قامت على المجهود العقلي للإنسان فظلت أسيرة تفسير قسري للواقع يعمد إلى محاولة ضغطه – أي الواقع – في اطار يضيق كثيرا عن الاتساع المطلوب لاستيعابه فلا تكون النتيجة في كل الأحوال إلا الفشل المحتوم بعد فترة تطول أو تقصر وبعد أن تكون البشرية قد تكبدت من الخسائر ما لا يمكن حصره من الوقت والجهد والصحة والرضا النفسي والدماء.

وعلى ذلك نقول إن الأنظمة وكذلك النظم التي تقوم على منطق القيم هي كلها عرجاء عوراء تفهم الواقع بشكل من التبسيط المخل وتؤدي إلى نتائج كارثية وهذا هو عين حال المنطق القيمي دائما.

ولكن ما الذي يجعل القيمة لا تتلائم مع النظام الفكري الإسلامي؟

1 – بالدرجة الأولى ومع حقيقة كون القرآن خطابا الهيا فلن يكون بالإمكان أن يناسبه مفهوم القيمة وذلك لاعتبار أساسي يتمثل في كون الخطاب الالهي خطابا مطلقا يمثل في ذاته الحقيقة العليا والتي هي حقيقة من صنع الله تعالى فالله عز وجل هو خالق الكون وهو خالق قوانينه وحقائقه أيضا وهذا يتنافى مع مفهوم القيمة الذي يفرض ذاته مفهوما متعال ذا استقلالية ذاتية تامة يمتلك برهانه وحقيقته في ذاته الأمر الذي يجعل اعتماد مفهوم القيمة ينتهي في خاتمة المطاف إلى تقييد غير معقول ولا مقبول للذات الالهية بمثل ما فعلته المعتزلة حين قالت بوجوب فعل الصلاح والأصلح على الله تعالى تعالى رب العزة عن ذلك. وعلى هذه الصورة تكون القيمة التي يفترض فيها أن تكون ضابطة للحياة الإنسانية في تجلياتها المختلفة ضابطة كذلك للمشيئة الالهية والعلم الالهي أيضا ويصير بالإمكان محاكمة الخطاب الالهي المتمثل في القرآن بالرجوع إلى مفاهيم أكثر علوية منه وهي القيم التي طالما وصفت بأنها إنسانية وذلك يعني قلب الأمور بجعل الإنساني حاكما على الالهي.

2 – تنفي الطبيعة الدينية للإسلام ذاتها الاعتماد على المفاهيم القيمية وهذا يفهم من اعتبار الإسلام دينا شاملا يقوم على تنظيم الحياة الإنسانية في شتى مناحيها بتدخل مباشر من النص في الكثير من الأحيان وقد صارت وفرة النصوص مع ما تحويه من امكانيات تفصيلية عاملا داعما لقوة الاعتماد على التص وحائلا دون اللجوء للمفاهيم الكلية العامة ويظهر هذا بصورة واضحة وجلية في النشاط الفقهي الواسع الذي مورس بوصفه نشاطا تقنينيا للأوضاع البشرية من النظور الإسلامي حيث ظل هذا النشاط قريبا من النص دائما باعتباره العمود الفقري في كامل البناء الفقهي وهذا ما يفسر رفض بعض القوى الفكرية للقياس كما فعلت الظاهرية ثم وضع الذين اعتمدوه مصدرا للكثير من الضوابط التي تقيده ةتضبط

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير