تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[لغتي الجميلة سحرها متجدد وبهديها عم الفضا أنوار]

ـ[طلاع الثنايا]ــــــــ[11 - 08 - 2007, 09:51 ص]ـ

ما كل مُعاد مُمل ولا كل مُعيد مُخل

محمد بن أحمد الرشيد

لقد طرحت مؤخراً على عدد من أساتذة الجامعات والعلماء في مجال العلوم الهندسية، والطبية، والفيزيائية، والرياضيات من اقطار عربية مختلفة، وبعضهم يعيش في الغرب ويحمل جنسية البلد الذي يعمل فيه، سؤالاً محدداً هو: "هل اللغة العربية قادرة على استيعاب العلوم الطبيعية والتطبيقية المعاصرة؟ "، فكان جوابهم جميعاً بالايجاب

من كثرة ما يخالجني من مشاعر الإعجاب القائم على العقل والاقتناع باللغة العربية، والإيمان العميق بقدرتها على التجديد والتوليد، وصلاحيتها لاستيعاب حاجات إنسانها مهما اختلف زمانه ومكانه، أحس أني عاجز عن التعبير عن حقيقة ما يجول بخاطري عن مكانتها بين اللغات الحية في عالمنا المعاصر، ولذلك أحرص على أن يعشقها كل فتى وفتاة من أبناء هذه البلاد المباركة، ولم يكن مقبولاً عندي ما يتذرع به بعض إخواني وأصدقائي وزملائي من أن بلاداً عربية أخرى قد تساهلت في التقيد باللغة العربية، لغة علم وتعليم في بعض مراحل التعليم، وفي بعض التخصصات العلمية، فالقياس بها غير مقبول؛ لأن هذا الوطن - المملكة العربية السعودية - عليه واجب خاص تجاه هذه اللغة أكبر من واجب غيره بحكم أنه يحتضن موطن العربية الذي نمت وترعرعت فيه، ومما يعمق من إيماني بضرورة العناية باللغة العربية هو ما أراه من اعتناء أمم وشعوب أخرى بلغاتها التي لا ينطق بها سوى أبنائها ولا تقارن بلغتنا العربية العبقرية التي هي لغة دين يعتنقه أكثر من مليار مسلم، وبها يصلون خمس مرات كل يوم على مدار الساعة!

...

نحن قدوة لغيرنا - وإذا غُض الطرف عن موقف بعض العرب من لغتهم فإنه لا يغض عنا بحكم أن القضية هي قضيتنا في المقام الأول.

هذا الموضوع - كما قال أحد الأصدقاء - "هو من الاهمية بمكان، حتى إن ملل الإعادة منه ينبغي ألا يمنعنا من تكرار الحديث فيه، وكما يقولون: ما كل مُعادٍ مُمل ولا كل مُعيد مُخل".

إن بقاء أي أمة مرهون بقدرتها على نقل مقوماتها من العقيدة والأخلاق والتاريخ والثقافة بلغتها عبر أجيالها الشابة، وإهمال اللغة أو تضييعها هو مقدمة طبيعية لفناء الأمة أو استئصالها، بينما يمثل الحرص عليها، ومحبتها، وتنقيتها من الشوائب واستعمالها لغة للعمل والعلم والإعلام والتعامل اليومي، ورفع العأمة اليها واجب بقاء. (وهو عندنا واجب مقدس). فلغتنا العربية هي اللسان المبين للعقيدة، اختارها الله سبحانه لمخاطبتنا ومخاطبة العالمين من بعدنا.

...

لقد قيل بحق: إن اللغة هي منزل الكائن البشري، وإن اللغة هي التفكير نفسه، وإن التفكير ذاته نوع من الهمس اللغوي غير المسموع الذي يدور بين المرء ونفسه، وإنه نوع من الحوار الباطن! واللغة هي جسر التفاهم وسبيل التواصل بين أفراد الشعب الواحد والأمة الواحدة والانسلاخ منها وإهمالها يفتت الشعب الواحد إلى ألسنة شتى، تتناكر ولا تتعارف، كما يسد الأبواب إلى ثقافته، وأذكر أنني قرأت مقالاً لأحد الأدباء العرب منذ عدة سنوات يذكر فيه أنه لما كان يدرس في فرنسا قرأ كتاباً لأديب فرنسي يدعى "اتيامبل" عنوانه: هل نتكلم الفرانجيلية؟ (أي الفرنسية مخلوطة بالإنجليزية) وكان يحمل في كتابه حملة شعواء على من يتكلمون الفرنسية مختلطة ببعض مصطلحات إنجليزية، لا يتجاوز عددها مائة مصطلح!! ثم استطرد الأديب مستشهداً على خطورة التأثير اللغوي بامتداد آثاره إلى المجال الاقتصادي بقول مشهور للرئيس الفرنسي الأسبق جورج بومبيدو يتحدث فيه عن الطلبة الأجانب الذين يدرسون في فرنسا، يقول: "علموهم الفرنسية ليشتروا بضاعة فرنسية"!!

المهم أن هذا الأديب العربي كتب لعائلته في وطنه يقول: "ابعثوا إلي بالكتب العربية فأنا في خطر فقدان الروح والهوية والشخصية!! "، فالرجل أحس بالحصار اللغوي وأن هذا الحصار تمهيد للقضاء على شخصيته، وهويته، وفيه خطر على دينه وانتمائه.

...

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير