تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[كلمات في أعمال القلوب]

ـ[ابو لانا]ــــــــ[13 - 07 - 2007, 04:48 ص]ـ

القائلون بالتخليد

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد للَّه وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

الحمد للّه نستعينه ونستغفره، ونعوذ باللّه من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده اللّه فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله ـ صلى اللّه عليه وآله وسلم.

أما بعد:

فهذه كلمات مختصرات في أعمال القلوب ـ التي قد تسمى [المقامات والأحوال]ـ وهي من أصول الإيمان، وقواعد الدين، مثل محبة اللّه ورسوله، والتوكل على اللّه، وإخلاص الدين له، والشكر له، والصبر على حكمه، والخوف منه، والرجاء له، وما يتبع ذلك. اقتضى ذلك بعض من أوجب اللّه حقه من أهل الإيمان، واستكتبها وكل منا عجلان.

فأقول: هذه الأعمال جميعها واجبة على جميع الخلق ـ المأمورين في الأصل ـ باتفاق أئمة الدين، والناس فيها على ثلاث درجات كما هم في أعمال الأبدان على ثلاث درجات: ظالم لنفسه، ومقتصد، وسابق بالخيرات.

فالظالم لنفسه: العاصي بترك مأمور أو فعل محظور.

والمقتصد: المؤدي الواجبات والتارك المحرمات.

والسابق بالخيرات: المتقرب بما يقدر عليه من فعل واجب ومستحب، والتارك للمحرم والمكروه. وإن كان كل من المقتصد والسابق قد يكون له ذنوب تمحى عنه: إما بتوبة ـ واللّه يحب التوابين ويحب المتطهرين ـ وإما بحسنات ماحية، وإما بمصائب مكفرة، وإما بغير ذلك. وكل من الصنفين: المقتصدين والسابقين من أولياء اللّه الذين ذكرهم في كتابه بقوله: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: 62، 63]. فحد أولياء اللّه: هم المؤمنون المتقون، ولكن ذلك ينقسم إلى عام وهم: المقتصدون، وخاص وهم: السابقون، وإن كان السابقون هم أعلى درجات كالأنبياء والصديقين.

وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم القسمين في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة ـ رضي اللّه عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ أنه قال: (يقول اللّه: من عادى لي وليًا فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرب إلىَّ عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلىَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته ولابد له منه).

وأما الظالم لنفسه من أهل الإيمان، فمعه من ولاية اللّه بقدر إيمانه وتقواه، كما معه من ضد ذلك بقدر فجوره، إذ الشخص الواحد قد يجتمع فيه الحسنات المقتضية للثواب، والسيئات المقتضية للعقاب، حتى يمكن أن يثاب ويعاقب، وهذا قول جميع أصحاب رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وأئمة الإسلام وأهل السنة والجماعة الذين يقولون: إنه لا يخلد في النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان.

وأما القائلون بالتخليد، كالخوارج والمعتزلة القائلين: إنه لا يخرج من النار من دخلها من أهل القبلة، وأنه لا شفاعة للرسول ولا لغيره في أهل الكبائر، لا قبل دخول النار ولا بعده، فعندهم لا يجتمع في الشخص الواحد ثواب وعقاب، وحسنات وسيئات، بل من أثيب لا يعاقب، ومن عوقب لم يثب. ودلائل هذا الأصل من الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة كثير ليس هذا موضعه، وقد بسطناه في مواضعه.

وينبني على هذا أمور كثيرة؛ ولهذا من كان معه إيمان حقيقي فلابد أن يكون معه من هذه الأعمال بقدر إيمانه، وإن كان له ذنوب، كما روى البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطاب ـ رضي اللّه عنه ـ أن رجلًا كان يسمى حمارًا وكان يضحك النبي صلى الله عليه وسلم. وكان يشرب الخمر، ويجلده النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى به مرة فقال رجل: لعنه اللّه ما أكثر ما يؤتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تلعنه فإنه يحب اللّّه ورسوله).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير