[الأمية صفة الاستقلالية]
ـ[العرابلي]ــــــــ[18 - 07 - 2007, 07:36 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الأمية وصفة الاستقلالية
فهم أمية الرسول صلى الله عليه وسلم لا تكتمل إلا بالنظرة إلى لفظ الأمي على أنه فرع من شجرة يشترك فيها مع الفروع الأخرى في خصائصها ومميزاتها وليس بمعزل عن فروع هذه الشجرة، وهذه الشجرة اللغوية نمت على معنى استقلالية الموصوف ووقوفه على نفسه غير تابع لمثله؛ فمنها:
الإمام: وهو الذي يكون دائمًا متبوعًا غير تابع.
والأمام: وهي الجهة التي تتبعها دائمًا بنظرك أو بسيرك، ولا تكون خلفك.
والأم: وهي المرأة التي لها ابن أو أبناء، فهي أم لهؤلاء الأبناء، فعندما ينسبوها يقال أمه أو أمها فلانة بنت فلان، ولا يرفعوا نسبها إلى امرأة مثلها، فلا يقال أمه فلانة بنت فلانة، فيوقف عند الأم فقط، ولا نتبعها إلى غيرها من الأمهات.
أما الآباء فنتبع بعضهم ببعض إلى آدم عليه السلام ما استطعنا.
أم القرى: تسمية خاصة بمكة المكرمة في قوله تعالى: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا (92) الأنعام.
ووصفت بذلك لأنها أول قرية لم تقم على أساس زراعي، والقرية إنما سميت بالقرية؛ لأنها تخزن الطعام للفصول التي لا يكون فيها حصاد، بسبب استقرار أهلها الدائم في المكان، وعدم الرحيل عنها، ولذلك يسمى بيت النمل بقرية النمل؛ لأنها أشهر دواب الأرض في خزن الطعام، وما زالت بعض القبائل تسمي الحجرة أو الغرفة المخصصة لخزن طعام أهل الدار، أو علف البهائم بالقرية، على أصل التسمية، لذلك فإن تسمية القرية تطلق على الناس المستقرين لخزنهم الطعام، وتطلق على المكان لخزن الطعام فيه، وفي فعلهم هذا تأمين حاجتهم، وكفايتهم منه طوال العام، ولمن يأتيهم، فلا يضطروا للرحيل عن القرية.
قال تعالى: (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا (59) الكهف. فالمقصود بالقرى الناس، وهم الذي ظلموا، والهلاك وقع على الناس، وعلى المكان الذي يصبح مهجورًا بعد هلاك الناس فيه، وقال تعالى: (فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ (77) الكهف، فالمراد هنا بالقرية المكان دون أهله، أما قوله تعالى: (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82) يوسف، فالمراد بالقرية؛ الذي جمعوا الطعام معهم ليخزنوه قوتًا لهم، ولو أريد بأهل القرية كما يستشهد بهذه الآية على حذف "أهل" لاقتضى ذلك أن يسافر يعقوب عليه السلام إلى مصر ويسأل أهلها، والأولى لو فعل ذلك أن يسأل ابنه ويسأل عزيز مصر بدلا من سؤال أهلها.
ومكة المكرمة هي أول قرية تخزن غذاءها بشكل دائم، لأنها بواد غير ذي زرع، ولم يتقلب عليها غير أهلها، وكثرت ذرية أول ساكن لها، فكانت منه قبائل كثيرة أنشأت لها قرى كثيرة فكانت مكة المكرمة هي حقًا هي أم القرى.
وجعل الله تعالى نار جهنم أُمًّا للمعذبين في قوله تعالى: (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11) القارعة، ولا تذكر الأم إلا إذا لمن لم يكن له غيرها يرجع إليه؛ كعيسى ابن مريم عليه السلام، وفي هذا الوصف دلالة قوية على ضعفه، وانقطاعه بهذا المكان الذي انتهى إليه.
والأَمَة: تطلق على المرأة التي لا يعرف من هو أباها؛ إما جهلا بها، فنقول يا أمة الله، أو تكون من السبي التي انقطع نسبها بأهلها.
والأُمّة: هي التي لا تتبع غيرها من الأمم، ولا يكون عملها إلا لنفسها، وقرارها نابع منها، وفق مصالحها ومبادئها ... فإن كانت تابعة لغيرها فلا يصح أن توصف بأنها أمة مهما بلغ عدد أفرادها، وانتشرت مساحة أرضها.
وكل نوع من الطير والحشرات والدواب أمة من الأمم؛ لأن عملها لنفسها وليس لغيرها؛ قال تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38) الأنعام
¥