تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[هل الإعجاز العلمي من أسباب تخلف المسلمين؟]

ـ[محمد علي الثبيتي]ــــــــ[25 - 07 - 2007, 11:24 ص]ـ

اعتدنا ان نلقي باللوم في تخلفنا على غيرنا، وهو ما يُعرف بنظرية المؤامرة. ولا شك في أن التآمر قد صاحب الإسلام منذ ظهوره وعلوه في الأرض، خلافاً لمن يُنكر نظرية المؤامرة ويحاول أن يقنعنا بأنها وهم. لكن بالمقابل لا يجوز إغفال دورنا في هذه المؤامرة أي العامل الداخلي أو الذاتي، أي كوننا طرفاً في الموضوع، ولو من باب القابلية لهذا الأمر على الأقل.

ونحن هنا بصدد الحديث عن التخلف الفكري والعلمي الذي حل بالأمة الإسلامية. ونقصد بالتخلف الفكري ما حل بالأمة من تدهور الإنتاج الفكري الاجتهادي، وليس المقصود أن الأمة فقيرة في أفكارها، فالقرآن والسنة معين لا ينضب من الأفكار، ولكن الإنتاج منهما يتوقف علينا نحن كأمة مفكرة، وهذا قد تأثر كثيراً بعد مرور القرون المشرقة من تاريخ الأمة. ونقصد بالتخلف العلمي أي التقصير في المجال التجريبي، وهو فهم الكون وقوانينه وتسخيرها في خدمة الإنسان والمهام المناطة به. فقد بدأ الانحطاط الفكري منذ اللحظات الأولى التي اعتمدت فيها طوائف من المسلمين، كالأشاعرة، المنطق اليوناني أساساً في التفكير الإسلامي، وجعلوه باباً ومدخلاً لأي علم آخر مهما كان نوع هذا العلم، بل قرروا أن من لم يعتمد المنطق الأرسطي فلا ثقة بعلومه، كما أفتى بذلك حجة الإسلام الغزالي. ولا يمكن لأمة أن تتقدم علمياً إذا كانت متدهورة فكرياً، وما حل بأمتنا خير شاهد على ذلك، على الرغم من محاولات التشبث بقاعدة "سبقناكم" التي يستند إليها أهل الإعجاز العلمي، الذي ربما يساهم بطريق غير مباشر في هذا التخلف.

لماذا أدى منطق اليونان إلى تخلف الأمة؟

المنطق الأرسطي اليوناني أسلوب من أساليب التفكير، بل هو أسلوب خاص جداً، وهو اصطلاح فكري غير واقعي. ذلك أن الذين وضعوه والذين تبنوه من المسلمين، لا سيما الأشاعرة، عمدوا إلى تطبيقه على أرض الواقع في مجال العقائد عنوة. وبما أنه غير واقعي فقد اصطدموا بالواقع بعنف، إذ لا يمكن ان تضع الشيء في قالب لم يُصمم له، أو تُلبس أحداً ثوباً لم يُفصل على مقاسه. ولهذا أخذ الذين تبنوا المنطق الأرسطي في التراجع شيئاً فشيئاً واجراء التعديلات عليه، بدءاً من اسمه، لينتهي بهم الأمر إلى تهذيب المنطق والتحجر على ذلك، والاكتفاء بتدعيم المنطق والدفاع عنه دفاع المستميت. وربما نجد العزاء للأشاعرة في دفاعهم المستميت واليائس في نفس الوقت عن المنطق الأرسطي، ذلك لأن عقائدهم مبنية عليه، وعقائدهم قطعية، ولو انهار المنطق الأرسطي فهذا يعني انهيار العقائد القطعية، وذوبان ثلج هذا الجبل الشامخ ليظهر أن هذه القطعيات ما هي إلا وهميات.

هذا المنطق الخاص جداً قد تعرض لنقد شديد جداً من قبل المفكرين المسلمين، ورفضوه رفضاً قاطعاً، ولولا تبني الأشاعرة له لمات ودفن في مقابر الفكر، ولم يكن له أثر يذكر، وذلك من شدة ما تعرض له من ضربات قاتلة كادت أن تودي به، لخصها وزاد عليها ابن تيمية، الذي كانت له الذراع الطولى في نسفه وتقويض أركانه. لقد كشف هؤلاء المفكرون العباقرة عن زيف هذا المنطق وهشاشته، وأن ما لديهم من قواعد تغني عنه. فقد أبانوا عن هشاشة أصوله المتمثلة في التصور وبنائه على الحد المبني على مجرد فروض ذهنية خيالية، وكذلك أظهروا زيف القياس الذي يسمونه البرهاني وأنه مجرد دور وتحصيل حاصل، وأنه لا يمكن تحصيل العلم عن طريق هذا المنطق. وهذه الانتقادات هي نفس ما توصل إليه المفكرون العلمانيون من الغرب وزعموا أنهم بدأوا من ذاتهم. والحق أن كل ما توصلوا إليه موجود في الفكر الإسلامي، لكنهم تظاهروا بأنهم تجاهلوه ولم يقفوا عليه، وأنهم إنما رجعوا إلى أصول اجدادهم اليونان. كل ذلك من أجل التنكر لهذه الأمة ومنجزاتها ومن أجل أن يتشبثوا بأصول لهم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير