تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وعند هذه النقطة أيضا نتبين أننا نتحمل جزءا كبيرا من مسئولية الهجرة وأننا ندفع بعضنا للإرتماء في أحضان مجهول قاتل بما نرسمه في النفوس من صور قاتمة لواقعنا الحياتي تتقابل مع ما يفلح الغرب في عرضه لنفسه بالألوان الزاهية البراقة.

وقد كان من المفاجيء لنا جميعا أن نسمع عن هجرة أخرى أجزم أنها لم تخطر ببال الطيب صالح أو غيره وأقصد بذلك الهجرة التي أطلت علينا برؤوس اللألاف من أبناء السودان في لكيان الإسرائيلي. فهل انكسر في نفوسنا ما كنا نحسبه جبلا صلدا لا يتزحزح ولا يتأثر؟ كنا نحسب أن بيننا وبين غسرائيل فياف وقفار لا يقطعها الفارس ولو بشق الأنفس فإذا بالنساء والاطفال يقطعنها قبل الرجال.

ما عاد للهجرة مصب.

صار للهجرة مكب.

وما الذي يكب التاس على وجوههم فيه؟ ما الذي جعل المسلم تضيق به أرض بلده ثم أرض البلدان الأخرى من حوله والتي هي على الخارطة مصبوغة بصبغة الإسلام؟ أليس في حرمان الإنسان من كرامة إنسانيته ما يفسر ذلك؟ كيف آل الحال بهذا الفرد المسلك الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (يسعى بذمتهم أدناهم) وجعله مع غيره من إخوانه على صعيد واحد وساوى بينهم:اسنان المشط ووصفهم في تزادهم وتراحمهم بالجسد الواحد وفي تراصهم ووحدتهم بالبنيان؟ كيف آل به الحال إلى ما نراه على شاشات التلفاز ولقد رأيناه في الباكستان عندما خرج يحتج على انقطاع المياه أثناء موجة الحر الأخيرة يضرب بالحذاء بيد الشرطي ولقد رأيناه قبل ذلك يهان في أقسام الشرطة في مصر وتنتك كرامته بأسوأ ما يمكن أن تنتهك به كرامة ورأيناه قبل ذلك يهان هنا وهنا وهناك وفوق ما رأيناه ما سمعناه وفوق ما رأيناه وما سمعناه ما خفي عنا وراء الجدران وفي السراديب المظلمة

أين هذا الحال من حال فرتونة السوداء تلك المرأة الضعيفة التي أرسلت من مصر إلى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز في دمشق تشكو حالها وقصر حائطها مما عرض دجاجها للسرقة فكتب الخليفة العادل إلى واليه على مصر أن يرفع لها سورها ليصون دجاجها. فهل يكون دجاج فرتونة السوداء أكرم وأشرف وأعز من رجال ونساء وأطفال لا يجدون لأنفسهم في أوطانهم كرامة؟

بين دجاج فرتونة السوداء والمواطن في بلداننا الآن مسافة ليست هي مسافة الزمن فقط بل هي مسافة معنى ووجود وكرامة. اهتم عمر بن عبد العزيز على بعد المسافة بدجاج فرتونة السوداء كي لا يسرقه اللصوص وما وجد المواطن في أوطاننا من يهتم به كي لا تسرقه أوطان أخرى حتى صرنا نخشى أن يأتي أديب آخر ليكتب رواية " موسم الهجرة إلى إسرائيل؟

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير