*جلادت بدرخان (كردي ينادي قومه) لا تعتبر القراءة و الكتابة باللغة الأم واجباً شخصياً فقط، بل تعتبر أيضاً واجباً قومياً
*الترجمة عن الكردية:شاهيدار قادوهي
إن وجد شخص ذو عزم وإرادة قوية، واستطاع أن يجمع شتات لغة مقطعة الأوصال، و أن يعيد الحياة إلى لغة ميتة - كما سنذكر الآن – وقد وجد ذلك الشخص ـــ، فقد أعاد من جديد الحياة إلى جسد لغة ميتة، ووضعها في مصب اللغات الحية، أي إنه وضعها بين تلك اللغات التي ما زال البشر يتكلمون بها، ويعبرون بها عن رغباتهم وغاياتهم.
و قد قلت (اللغات الحية، اللغات الميتة). و من دون شك ومن الناحية الوراثية، فإن اللغات مثلها مثل البشر في إحتضانها للحياة، فهي تلد، وتعيش، وتموت ... ومن بين تلك اللغات الميتة، هناك لغات تذهب أدراج الرياح، حيث تندثر بشكل نهائي من دون أن تخلف وراءها أي أثر يذكر: لا كتب، ولا سطور، ولا أي كلمات تذكر.
وهناك لغاتٌ أخرى تندرج ضمن اللغات الميتة , إلا أنها تخلّف وراءها أثراً عظيماً ,وكتباً قيّمة , وماتزال ولحد الآن تُقرأ وتُدرّس إلى يومنا هذا.ولكن وعلى الرغم من هذا وذاك فهي تعتبر من اللغات الميتة لأنها لغة غير متداولة شفهياً ولا تستعمل إطلاقاً من قِبل الناس.
ففي أوروبا اللغة اللاتينية ,وكذلك في الشرق اللغة العبرية , كلتاهما تعتبران من اللغات الميتة. وكما إن اللاتينية ماتزال لغة ميتة إلى يومنا هذا , ولكن العبرية لم تعد تصنّف في عداد اللغات الميتة ,فقد أصبحت الآن لغةً حية. وها قد خرج من بين اليهود ذلك الشخص ذو الإرادة القوية , والذي أحيا بدوره اللغة العبرية بعد أن كانت ميتة. واللغة العبرية هي لغةٌ قديمة وتعتبر من اللغات السامية , حيث تعتبر شقيقة اللغة العربية في هذا الإنتماء. وقد كُتب التورات- والذي يعد واحداً من بين أربعة كتب ذي قيمةٍ عظيمة – باللغة العبرية , ولكن هذه اللغة كانت تستعمل فقط في الصوامع ومن قبل العلماء المختصين.
وقد كان اليهود يتكلمون بلغة البلدان التي كانوا يسكنون فيها , وهذا لأنه لم تكن لديهم لغة مستقلة خاصة بهم , لذلك كانوا يتكلمون باللغات الأخرى. هذا وقد كان من نتيجة الصراع الدائر ما بين الروس والأتراك عام (1877) هزيمة الأتراك وتحرر شعوب البلقان من الإحتلال التركي , وقد تمّ تحرير شعوب البلقان وخاصّة على أيدي القوات الروسية بشكلٍ كامل , حيث كان الشعب الروسي بانتظار هذا الإنجاز , كما كانت الصحافة الروسية تعلّق كثيراً على دول البلقان الحديثة.
وفي بلاد الروس كان هناك شابٌ يهودي يدعى (أليعازر بن يهودا) , وقد كان (بن يهودا) بانتظار نتيجة هذا الصراع شأنه في ذلك شأن الجميع , وكان يرى الشعوب المضطهدة كالصرب والبلغار وغيرهم من الشعوب , وهم يتخلصون من ظلم مضطهديهم , ويحققون إستقلالهم. وتحت تأثير هذه الأحداث تعزز الوعي القومي لدى (يهودا) فكان يتأسّف ويتألم للوضع الذي يعيش فيه شعبه. وقد إتّخذ الشاب اليهودي قراره , حيث قال في قرارة نفسه: (يجب أن يعود اليهود إلى وطن أجدادهم , إلى وطن بني إسرائيل , وكما يجب أن يكون لليهود لغة خاصة يتكلمون بها إسوةً بالشعوب الأخرى, وهذه اللغة ستكون لغة الأجداد , اللغة العبرية).
وبعد أن تعلّم يهودا لغته , توجّه في عام (1878) إلى باريس , حيث قصد تلك المدينة المضيافة ,وفي باريس أقام أليعازر بن يهودا العلاقات مع يهود باريس , حيث كان يطور لغته , هذا من جهة ومن جهة أخرى كان يعمل على نشر أفكاره. ولكنه كان يلقى المعارضة حتى من قبل أبناء جلدته حيث كانوا يتهموه بالجنون. ولكن يهودا لم يكن ليبالي بهم , حيث كان يعمل بمفرده وبهمّة كبيرة وإرادة قوية لتحقيق طموحه العظيم , فقد كان مصرّاً على أن يجعل من شعبه ,والذي ليست لديه أي لغة خاصة , شعباً له لغته الموحدة الخاصة.
وقد تعلّم يهودا لغته –اللغة العبرية- بنفسه , وبعد أن تعلّمها أصبح من واجبه أن ينشر اللغة العبرية بين أبناء مجتمعه وشعبه, ولكن لزراعة ما أتى به من بذور, كان لابد له من أرضٍ خصبة تبعث الحياة وتساعد على نمو هذه البذور.
¥