وفضلًا عن ذلك فإن التقدير الذي يذكره هؤلاء لا يتفق مع ما ينبغي أن تكون عليه صنعة الاحتباك من اتساق المقدّرالمحذوف مع المذكور ,فالاتساق لا يجيز لغةً أن يكون التقدير:"قل للمؤمنين يغضوا أبصارهم من فروج المؤمنين و المؤمنات، ويحفظوا فروجهم من أبصار المؤمنين والمؤمنات" إذ المذكور في نص الآية:" يغضوا من أبصارهم" وليس: يغضوا أبصارهم! وبينهما فرق كبير في المعنى , والاحتباك إنما يقدّروفق بناء اللغة التي بني عليها الكلام دون تغيير فيها كما في آية آل عمران التي ذكرها حبيبنا الدكتور بشر:"قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين ... "؛ فإن تقدير الاحتباك فيها لم يخرج بالتركيب عن النسق الذي بنيت عليه؛ فإنما هو وضع النظير مع النظير محذوفًا ومذكورًا , وهذه هي صنعة الاحتباك , لا أن يُقحمَ في التقدير لفظ لم يبنَ عليه الكلام!
وقد وجدت كثيرٌ من الفرق والمذاهب في بعض أساليب البلاغة وفنونها وبخاصة فنون البديع , وفي بعض تخريجات النحو ,مدخلًا للاحتجاج لبعض الآراء الفقهية أو العقدية المخالفة لما عليه جمهور العلماء, ووجدوا بغيتهم في ما يقوم منها على الحذف والتقدير كما هو شأن الاحتباك؛ إذ نفذوا منها إلى تقدير ما يؤيد آراءهم التي تخالف المشهور من أقوال العلماء؛وإن كانت مخالفة للصنعة كما يعرفها أهل البلاغة , لذا وجب التنبيه إلى ذلك!
وقد يسّر الله لهذه الأمة من يستخرج بعض تلك الآراء من بعض المصادر التي عولت على التأويل البلاغي في الانتصار لآراء المذاهب المخالفة, كما ترى في كتاب "الانتصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال للعلامة أحمد ابن المنير الاسكندري" و"الكافي الشافي في تخريج أحاديث الكشاف للحافظ ابن حجر"
وحاشية المرزوقي المسماة "مشاهد الإنصاف على شواهد الكشاف", وغيرها , وليت بعض معاصرينا يكملون ما بدأه أولئك الأخيار فينهضوا لاستخراج الآراء العقدية أو الفقهية المخالفة لماعليه السلف , التي عوّل أصحابها على التأويل البلاغي أو النحوي, وليكن ذلك ممنهجًا ومؤسسًا على نقد كتبٍ بعينها كما فعل الأوائل, ولكنه عمل لا ينهض به إلا من تمكّن في علوم البلاغة وعلوم الدين معًا, وأنى يتيسّر الجمع بينهما في عصر التخصصات!
أشكرك أخي الدكتور مصطفى على سؤالك , وأرجو أن يكون الجواب شافيًا كافيًا , وألّا يكون سؤالك داعيًا إلى خلافاتٍ تخرج بنا عن سنن الفصيح وما اُريد َ له!
فـ انظر ـ ولا أقول أنظرـ يا هداك الله في ما يصلح به شأننا , ويجتمع به شملنا.
وفقك الله ورعاك.
ـ[مصطفى السامرائي]ــــــــ[01 - 08 - 2007, 11:36 م]ـ
حييت أخي د. شوارد وكفيت ووفيت .... وأحسنت الاجابة أحسن الله اليك ... وأنا طالب علم ... وحريص على أن أنتفع من علم غيري ... وليست غايتي اختبار قدراتكم العلمية معاذ الله ... وانما غايتي أن أخرج مثل هذه الدرر من خزائنها
وأخيرا لك مني ألف تحية أخي الحبيب.