وفي عام (1881) تزوّج (اليعازر) من ابنة معلمه وتوجها معاً إلى فلسطين , وبذلك أصبح لديه زوجة مثالية , حيث ستنجب له أولاداً في المستقبل القريب. وهما في السفينة كان (يهودا) يلقّن زوجته دروساً في اللغة العبرية , وحين وصولهما إلى فلسطين كانت زوجته قد تعلّمت بعض الكلمات من اللغة العبرية. وعندما حطت قدماهما في أراضي فلسطين ,قال (يهودا) لزوجته: (من الآن فصاعداً ,سوف نتكلّم فقط باللغة العبرية). ولكن زوجته لم تكن قد أتقنت اللغة العبرية بعد, فحاولت مراراً وتكراراً في سبيل إقناع زوجها بالتخلي عن فكرته, ولكن الزوج أصرّ على قراره.
ومما لا شك فيه بأن أولاد (يهودا) وحتى بلوغهم مرحلة الشباب لم يكونوا يتكلمون إلا بالعبرية ,لأنهم لم يتعلموا لغةً أخرى غيرها, ولذلك فقد كانوا يعرفون بين الناس بـ (الخُرس).ولكن وبهؤلاء الذين كانوا يلقبون بـ (الخُرس) أصبح للشعب اليهودي لغة خاصة وموحدة ,شأنهم في هذا شأن بقية الشعوب في العالم.
وكان (يهودا) يعيش مع أفراد أسرته في حالةٍ مزرية من الفقر والحرمان , ولكن لا يهم ,فالأفكار العظيمة تحتاج إلى تضحياتٍ جسيمة , ولأن الناس لا يعون ماهية الأفكار العظيمة بسرعة.وفي الحين الذي كان (يهودا) يأكل فيه الخبز البائس كوجبة طعام أساسية ,وهو يرى أفراد أسرته يتكلمون باللغة العبرية –صدّقوني-فقد كان يعتبر نفسه أسعد إنسانٍ بين البشر.
وأخيراً أصدر (يهودا) جريدةً تكتب باللغة العبرية بعد أن كان قد أمّن عدداً جيداً من القرّاء , وكما إنه وفي بعض المدارس اليهودية بدؤوا كذلك بتدريس اللغة العبرية.هذا ومن جهة أخرى فقد عمل (يهودا) على تأليف قاموس لغوي لشعبه , فكان يقوم بخلق الكلمات الغير موجودة في لغة ميتة , ومن ثم إنتشرت اللغة العبرية بين اليهود. وعندما توفي (أليزر بن يهودا) في عام (1922) تحوّلت اللغة العبرية – هذه اللغة التي كانت ميتة قبل حوالي (30 - 40) سنة – إلى لغةٍ رسمية في فلسطين بجانب اللغتين العربية والإنكليزية ,وهي بالإضافة إلى ما سبق تعتبر لغة الدولة والحكومة معاً.
أيها الكرد , هذا هو رجلٌ ولغة , وما حققته إرادة رجلٍ واحد من إنجازٍ رائع , حيث يوجد في مسيرة هذا الرجل عبر ودروسٌ مفيدة. مما يوجب على الشعوب المضطهدة والتي لا تملك لغةً خاصة , أو التي ليست لديها لغة شفهية (محكية) أن تتعظ وتستفاد ما أمكن من هذه التجربة. وكما إننا –نحن الكرد-لدينا لغة , وهي لغة عظيمة حيث نتكلم بها , وحتى إن أكثرنا لا يعرف التكلم بأي لغةٍ أخرى سوى هذه اللغة , فقط يجب علينا أن نتعلم القراءة والكتابة بلغتنا الأم (اللغة الكردية).
و في يومنا هذا، لا تعتبر القراءة و الكتابة باللغة الأم واجباً شخصياً فقط، بل تعتبر أيضاً واجباً قومياً، و من لم يقم بأداء هذا الواجب لن يستطيع أبداً القيام بواجبه القومي، وكما إنه لن يفلح في خدمة شعبه. ولكي يعتبر المرء نفسه منتمياً إلى قوميةًَ أو شعب ما يجب عليه أن يقوم بخدمة و مساعدة شعبه. و بعد أن أصبح لنا نحن الكرد أبجدية مستقلة وخاصة بنا كبقية شعوب العالم , أصبحت القراءة والكتابة بلغتنا سهلةً جداً , وقد أثبتت التجارب وحسب ذكاء الإنسان بأن الكردي يستطيع – وفي فترة تتراوح ما بين إسبوع إلى أربعة أسابيع – أن يتعلّم القراءة والكتابة بلغته الأم.
وفي الحقيقة فإن أغلبية الشعب الكردي لا يعرفون التحدث إلا بلغتهم الأم , ولذلك فهم يتحدثون بها وحدها سواءً في المنزل أو في الخارج. ولكن يوجد بين الشعب الكردي أقلية ضئيلة من الذين كانوا يعيشون في بلادٍ غريبة أو إنهم الآن يعيشون في تلك البلاد , وما يلزم هذه الأقلية إن لم تكن تعرف التحدّث بلغتها , هو أن تتعلم لغتها الأم ومن ثم يجب عليهم أن يفعلوا كما كان يفعل (أليزر) فيتحدثون بها داخل بيوتهم ومع أولادهم ولا يتحدثون بأي لغة أخرى سواها.
نعم , يجب على هذا القسم من الشعب الكردي , وبمجرّد عودتهم إلى منازلهم أن يغيّروا من لغتهم كما يغيرون من ثيابهم ويرتدون الثياب المنزلية , فلا يتحدثون بلغة دخيلة أو غريبة ضمن منازلهم ,بل عليهم الإعتماد على اللغة الكردية وأن يحافظوا عليها كما يحافظون على شيء مقدّس.
¥