[حديث المقبرة ... وبني علمان!!]
ـ[خالد الحسيني]ــــــــ[28 - 07 - 2008, 10:40 م]ـ
حديث المقبرة ... وبني علمان
عندما يذهب المرء إلى المقبرة فهو غالباً أحد رجلين، إما طالبا للوعظ والتذكير لكي يلجم النفس عن هواها وثورانها وشهواتها وطغيان شرورها على خيرها ...
أو يذهب معزياً و مشاركاً في دفن صديق أو قريب أو أخ حبيب، فإن وطأت قدمك أرض المقبرة فإنك ستجد شرائح من الناس مختلفة وهم على سبيل المثال لا الحصر أنواع ... فمنهم من تجده وكأنه في أحد الأسواق المزدحمة بأنواع سلعها وفساد زائراتها وملذات شهواتها، لاه يريد الخروج مسرعاً وكأنه قد أدخل القبر مرغماً .. متصاعد الأنفاس، لقد آذاه المنظر وهيجته مشاعر المأتم، وأضرت به حرارة الشمس وأضنك حاله غربة المحل!! كل ذلك ورائحة الموت تدور من حوله وقد أشغله فوق ذلك هاتفه النقال وتعديل "الغترة والعقال" وخوفه يتزايد من اتساخ الثوب من تراب الموت المتصاعد ..... ونفسه تقول: ويلك الفرار .. الفرار!!
وآخر تراه ساكناً متجهماً وكأن على رأسه الطير يقول في نفسه .. ويلي لو أُدخلت القبر مكان هذا .. ما ذا عساي أن أفعل بآثام وذنوب قد بلغت عنان السماء وأموال قد جمعتها بتعب الحيل .. بشتى وسائل الدنيا .. دون النظر إلى حلالها وحرامها وقادتني إلى شهوات وملذات لا أدري ما أفعل بتركتها الثقيلة، فقد خلّفت تركة آثام لا تحملها الجبال، وذنوباً .. الكبار منها أكثر من الصغار، ومظالمَ تضيع المحاكم بالقضاء بها وتحتار .. ما ذا عساي أن أفعل .. رَبِّ عهداً يعقبه عهدُ ... فور خروجي من سياج الموت سأبدد المظالم كلها بل ويحل محلها جبال من الحسنات ....
واحدها يضاهي جبل أحد ... لا يسبقني لمثلها أحد!!
وفور خروجه من سور المقبرة ينسى أمره ويلغي عهده وكأنه كان في كابوس مزعج قد أفاق منه ولن يعود إليه بل أخذ العهد على نفسه بعدم الحضور إلى هذا المكان مرة أخرى ... وسيكتفي بحضور مجلس العزاء للحظات لا تذكِّره بمنازل الفناء!!
و آخر لا يزيده وجوده في المقبرة إلا زيادة في الورع وخشوعاً في العمل وخوفاً من الجليل وسوء المنقلب وتبقى دنياه دار خوف لتكون آخرته دار الأمان بتوفيق الرحمن
ولكن أين بني علمان الذين يسعون جيوشاً .. جيوشاً .. لإقامة حفل ماجن .. ورقص وغناء وتحرر من كل قيد باسم الديمقراطية الحمراء، أليس لهم من القبور نصيب أم أن قبورهم ديمقراطية ليس فيها عذاب ... وهل سيصرخون بالملكين ويصفونهما بالرجعية والتأخير، وهل سيرفعون الحجاب ويضعونه تحت أقدامهم أم أن أقدامهم ساعتها لا تحملهم من هول ما يرون ومن شدة ما يسمعون ومن ثمار ما كانوا يحصدون!!
رويداً .. رويداً ... يا من أخطأ المسير إن لحظات القبر سريعة القدوم إليك ... وأنت في أيامك إليها تسير .. فراجع نفسك واتق الله العزيز الحكيم ... هذا ما خطه القلم وجاشت به النفس عند زيارة المقبرة ... عباد الله فلنبن دار الآخرة كما أشغلنا بناء دارنا الفانية.
خالد بن محمود الحماد [email protected]
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[29 - 07 - 2008, 12:12 ص]ـ
لقد صدقت - والله - فيما قلت، وأحسنت في تقسيمك للناس، وكأنني - والله - أشاهد الناس والمقبرة والميت.
أف ٍ من قلوبنا هذه القلوب الحجرية التي لا تلين، ولا تتعظ وتنزجر، ولا تخاف الموت؛ وكأنها بمعزل عن هذا كله!
أف ٍ أف ٍ أقولها مع حرقة بقلبي.
اللهم افتح على قلوبنا، واجعلنا هداة مهتدين.
ـ[أم أسامة]ــــــــ[30 - 07 - 2008, 02:48 ص]ـ
جزيت خيراً أخي ............
أعوذ بالله من عين لاتدمع وقلب لايخشع ..................
ـ[سهى الجزائرية]ــــــــ[30 - 07 - 2008, 06:39 ص]ـ
موضوع مميز ومؤثر ............. ** مشكور**
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[30 - 07 - 2008, 08:33 ص]ـ
موضوعك طريف يزينه أدب جميل من قلم كريم، جزاك الله خيراً أخي خالد على هذه الموعظة الشاخصة والتي يمر عليها كل واحد منا صباح مساء،ولكن يافوز من يعتبر!!!
ـ[نزار جابر]ــــــــ[30 - 07 - 2008, 09:38 ص]ـ
جزيت أخي على ما قلت فلقد وصفت فأبدعت
بوركت وبورك مدادك
وجعلنا الله من المقابر متعظين
ـ[ابن القاضي]ــــــــ[30 - 07 - 2008, 12:40 م]ـ
ما أحوج قسوة قلوبنا إلى مثل هذه المواعظ.
جزاك الله خيرا.
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[01 - 08 - 2008, 03:30 م]ـ
اللهم اغفر لنا وارحمنا
ـ[رائد عبد اللطيف]ــــــــ[01 - 08 - 2008, 04:18 م]ـ
كفى الموت واعظا .. فعلا أصبت الحقيقة بلغة سليمة منمقة وبتقسيم حاذق