[ذو النون المصري بين التقوى والكلام النوري]
ـ[نُورُ الدِّين ِ مَحْمُود]ــــــــ[28 - 08 - 2008, 01:16 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
ذو النون المصري الزاهد، شيخ الديار المصرية، ثوبان بن إبراهيم، وقيل: فيض بن أحمد، وقيل: فيض بن إبراهيم النوبي الإخميمي يكنى أبا الفيض، ويقال: أبا الفياض. ولد في أواخر أيام المنصور.
وروى عن: مالك، والليث، وابن لهيعة، وفضيل بن عياض، وسلم الخواص، وسفيان بن عيينة، وطائفة.
وعنه: أحمد بن صبيح الفيومي، وربيعة بن محمد الطائي، ورضوان بن مُحَيميد، وحسن بن مصعب، والجنيد بن محمد الزاهد، ومقدام بن داود الرعيني، وآخرون.
وقلَّ ما روى من الحديث، ولا كان يتقنه. قيل: إنه من موالي قريش، وكان أبوه نوبيا.
وقال الدارقطني: روى عن مالك أحاديث فيها نظر. وكان واعظا.
قال ابن يونس: كان عالما فصيحا حكيما. توفي في ذي القعدة سنة خمس وأربعين ومائتين.
وقال السلمي: حملوه على البريد من مصر إلى المتوكل ليعظه في سنة 244 وكان إذا ذكر بين يدي المتوكل أهل الورع، بكى.
وقال يوسف بن أحمد البغدادي: كان أهل ناحيته يسمونه الزنديق.
فلما مات، أظلت الطير جنازته، فاحترموا بعد قبره.
عن أيوب مؤدب ذي النون، قال: جاء أصحاب المطالب ذا النون، فخرج معهم إلى قفظ وهو شاب، فحفروا قبرا، فوجدوا لوحا فيه اسم الله الأعظم، فأخذه ذو النون، وسلم إليهم ما وجدوا.
قال يوسف بن الحسين الرازي: حضرت ذا النون، فقيل له: يا أبا الفيض، ما كان سبب توبتك؟ قال: نمت في الصحراء، ففتحت عيني فإذا قنبرة عمياء سقطت من وكر، فانشقت الأرض، فخرج منها سُكُرُّجَتان ذهب وفضة، في إحداهما سمسم، وفي الأخرى ماء، فأكلت وشربت. فقلت: حسبي، فتبت ولزمت الباب إلى أن قبلني.
قال السلمي في "محن الصوفية": ذو النون أول من تكلم ببلدته وفي. ترتيب الأحوال، ومقامات الأولياء، فأنكر عليه عبد الله بن عبد الحكم، وهجره علماء مصر. وشاع أنه أحدث علما لم يتكلم فيه السلف، وهجروه حتى رموه بالزندقة. فقال أخوه: إنهم يقولون: انك زنديق. فقال: وما لي سوى الإطراق والصمت حيلة
ووضعي كفي تحت خدي وتذكاري
قال: وقال محمد بن الفرخي: كنت مع ذي النون في زورق، فمر بنا زوررق آخر، فقيل لذي النون: إن هؤلاء يمرون إلى السلطان، يشهدون عليك بالكفر. فقال: اللهم إن كانوا كاذبين، فغرقهم، فانقلب الزورق، وغرقوا. فقلت له: فما بال الملاح؟ قال: لم حملهم وهو يعلم قصدهم؟ ولأن يقفوا بين يدى الله غرقى خير لهم من أن يقفوا شهود زور، ثم انتفض وتغير، وقال: وعزتك لا أدعو على أحد بعدها.
ثم دعاه أمير مصر، وسأله عن اعتقاده، فتكلم، فرضي أمره. وطلبه المتوكل، فلما سمع كلامه، وَلِعَ به وأحبَّه. وكان يقول: إذا ذكر الصالحون، فحيَّ هلا بذي النون.
قال علي بن حاتم: سمعت ذا النون، يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق.
وقال يوسف بن الحسين: سمعت ذا النون، يقول: مهما تصور في وهمك، فالله بخلاف ذلك، وسمعته يقول: الاستغفار جامع لمعان: أولهما: الندم على ما مضى. الثاني: العزم على الترك. الثالث: أداء ما ضيعت من فرض لله. الرابع: رد المظالم في الأموال والأعراض والمصالحة عليها. الخامس: إذابة كل لحم ودم نبت على الحرام. السادس: إذاقة ألم الطاعة كما وجدت حلاوة المعصية.
وعن عمرو بن السرح: قلت لذي النون: كيف خلصت من المتوكل، وقد أمر بقتلك؟ قال: لما أوصلني الغلام، قلت في نفسي: يا من ليس في البحار قطرات، ولا في ديلج الرياح ديلجات، ولا في الأرض خبيئات، ولا في القلوب خطرات، إلا وهي عليك دليلات، ولك شاهدات، وبربوبيتك معترفات، وفي قدرتك متحيرات، فبالقدرة التي تُجيرُ بها من في الأرضين والسماوات إلا صليت على محمد وعلى آل محمد، وأخذت قلبه عني، فقام المتوكل يخطو حتى اعتنقني، ثم قال: أتعبناك يا أبا الفيض.
¥