تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[درب زبيدة ..]

ـ[كرم مبارك]ــــــــ[16 - 08 - 2008, 06:03 م]ـ

http://www.uaes-up.com/upload-img/96a965f4330.jpg (http://www.uaes-up.com)

عندما خرجت زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور من بغداد - عاصمة الخلافة الإسلامية - للحج وهي زوجة الخليفة هارون الرشيد وبكل موكبها الرئاسي وجنود الحراسة وقافلة كاملة متكاملة تحمل مؤنة الماء والغذاء والدواء لاحظت في الطريق ما يعانيه الحجاج خلال الطريق، فقد رأت ما لم تكن تتوقعه وتتدركه وهي بين جدارن قصرها الوسيع .. !!

رأت في الطريق هذا يدفن هنا عطشاً وذاك يموت هناك جوعاً وثالث يقتل هنا ورابع يسرق هنا

شاهدت ما يعانيه الحجاج من جراء حملهم لقرب الماء من آلام وإرهاق وتعب ومشقة ومرض وهلاك

وجدت أن الطريق طويل جداً – يساوي 1400 كم تقريباً – من بغداد أو الموصل أو الكوفة إلى مكة طويل بحيث يمشي فيه المسافر شهراً أو أكثر، وأن الجميع يعاني وحتى هي وحراسها - برغم ما معهم من الكلأ والماء والدواء - عانوا

بل وعانت وهي في قلب مكة عانت وهي في منى وعانت وهي في عرفات وهي في مزدلفة ... !!

وأدركت يومها معنى أن يعطش الناس وأن يفقد الرعية الماء وهي من هي إنها زوجة الخليفة هارون الرشيد، وأم خليفة المستقبل الأمين , وحفيدة الخليفة أبي جعفر المنصور , وابنة أخ الخليفة أبو العباس السفاح

وكما قال الخطيب البغدادي رحمه الله:

" لم تحظى امرأة بما حظيت به زبيدة فهي امرأة تعد إلى تسعة من الخلفاء

ابنها محمد الأمين ,زوجها هارون الرشيد , ابن زوجها المأمون , ابنا ابن زوجها الواثق والمتوكل , عمها المهدي , جدها المنصور , عم أبيها أبو العباس السفاح , وابن عمها الهادي"

هنا أدركت " زبيدة " أمراً هاماً، وقد كانت امرأة عظيمة التفكير والجاه والمال حيث كان زواجها من "هارون الرشيد" أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع، ففي أثناء مرور موكبها نثرت عليها اللآلئ الثمينة مما أعاق سيرها، كما فرشت الطرقات بالبسط الموشاة بالذهب.

قال ابن تغري بردي واصفا زبيدة: " أعظم نساء عصرها دينا و أصلا وجمالا وصيانة ومعروفا".

فلا عجب إذا قال عنها الشاعر:

بلغت من المفاخر كل فخر = وجاوزت الكلام فلا كلام

إذا نزلت منازلها قريش = نزلت الأنف منها والسنام

تقى وسماحة وخلوص مجد = إذا الأنساب أخلصت الكرام

أدركت زبيدة برجاحة عقلها وسلامة دينها وتقواها أن المال زائل وأجر العمل الصالح باق

لم تخدعها القصور الواسعة والفراش الوثير والخدم والحشم والحياة الرغيدة

ولم تنشغل كما انشغلت زوجات الملوك من قبلها ومن بعدها بجمع ما لذ وطاب من كنوز وتحف وآثار الدنيا الفانية ..

بل قررت أمراً عظيماً منذ يومها و سخّرت أموالها وطاقاتها وسلطانها في خدمة دينها وخدمة المسلمين في زمانها

فخلد الله ذكرها إلى يومنا هذا في حين لا يعرف أحدنا أسماء نساء أعظم ملوك الأرض وسلاطينها برغم إنهم خلدوها بالتماثيل العظيمة المذهبة ونحتوا تاريخهم وأسماءهم على جدران أكبر جبال بلدانهم لتبقى ذكراهم ومآثرهم على مر الزمان ولكنها ذهبت أدراج الرياح، وعجل الله نسيانها وفناءها وكأن شيئاً لم يكن ... !

فلا يبقى إلا ما أبقاه الله ولا يرفع إلا ما رفعه الله

ويذكر الشيخ عبد الله البسام في كتابه (تحفة المشتاق):

أن زبيدة أنفقت على عملها هذا ألف ألف (أي مليون) وسبعمائة ألف مثقال من الذهب، فلما تم عملها اجتمع المباشرون والعمال لديها، وأخرجوا دفاترهم لتبيان حساب ما صرفوه ليخرجوا من عهدة ما تسلموه من خزائن الأموال، وكانت في قصر عال مطل على نهر دجلة، فأخذت الدفاتر ورمتها في النهر، وقالت: (تركنا الحساب ليوم الحساب، فمن بقي عنده شيء من بقية المال، فهو له، ومن بقي له شيء عندنا أعطيناه)، وألبستهم الخلع، فخرجوا من عندها حامدين.

لقد فكرت هذه المرأة العظيمة أن تبني لنفسها في الآخرة وأن تجمع الزاد قبل الرحيل " يوم لاينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم " لذا أدركت أنه لن ينفعها سلطانها ولا سلطان أجدادها ولا خلافة زوجها وأولادها ولا شبابها وجمالها ...

فكان تفكيرها تفكيراً عميقاً صائباً جندت له جميع ما تملك من حطام الدنيا، وهذا التفكير لم يأت من فراغ فهي ليست امرأة عادية!!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير