تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من ترجمة البخاري رحمه الله]

ـ[مهاجر]ــــــــ[03 - 08 - 2008, 09:26 ص]ـ

من خلال متابعة بعض فقرات ترجمة البخاري، رحمه الله، في "سير أعلام النبلاء" للحافظ الذهبي، رحمه الله، تتضح بعض سماته الشخصية التي كان لها أثر بالغ في تسلسل أحداث المحنة الشهيرة التي تعرض لها:

فمن ذلك:

رقة الإمام البخاري، رحمه الله، جسدا: فهو من النحافة بمكان، يقول الحافظ الذهبي، رحمه الله، في "السير"، (12/ 452):

"قال عبدالله بن عدي الحافظ: سمعت الحسن بن الحسين البزاز يقول: رأيت محمد بن إسماعيل شيخا نحيف الجسم، ليس بالطويل ولا بالقصير". اهـ

وطبعا: فهو دمث الأخلاق، عفيف لا حاجة له فيما عند غيره.

يقول الحافظ الذهبي، رحمه الله، في "السير، (12/ 448 , 449):

"وقال محمد بن أبي حاتم: سمعت الحسين بن محمد السمرقندي يقول: كان محمد بن إسماعيل مخصوصا بثلاث خصال مع ما كان فيه من الخصال المحمودة: كان: قليل الكلام، وكان لا يطمع فيما عند الناس، وكان لا يشتغل بأمور الناس، كل شغله كان في العلم". اهـ

فهذا شأن أهل العلم، لا حاجة لهم في دنيا غيرهم، فجل، بل كل همهم: ضبط مسائل العلم، حفظا وتصنيفا وتعليما، ومن كان هذا شأنه فلا وقت عنده لينظر في حال فلان أو علان.

وعن حيائه يروي الذهبي، رحمه الله، (12/ 417):

قال أبو جعفر: قال لي بعض أصحابي: كنت عند محمد بن سلام، فدخل عليه محمد بن إسماعيل حين قدم من العراق، فأخبره بمحنة الناس، وما صنع ابن حنبل وغيره من الأمور. فلما خرج من عنده قال محمد بن سلام لمن حضره: أترون البكر أشد حياء من هذا؟ ". اهـ

ومع حيائه: عفة لسان في كلامه على الرجال صارت مضرب المثل:

يقول الحافظ الذهبي رحمه الله: "وقال بكر بن منير: سمعت أبا عبد الله البخاري يقول: أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحدا.

يقول الذهبي، رحمه الله، معلقا:

صدق، رحمه الله، ومن نظر في كلامه في الجرح والتعديل علم ورعه في الكلام في الناس، وإنصافه فيمن يضعفه، فإنه أكثر ما يقول: منكر الحديث، سكتوا عنه، فيه نظر، ونحو هذا. وقل أن يكون: فلان كذاب، أو كان يضع الحديث. حتى إنه قال: إذا قلت فلان في حديثه نظر، فهو متهم واه. وهذا معنى قوله: لا يحاسبني الله أني اغتبت أحدا.

وهذا هو والله غاية الورع". اهـ

"سير أعلام النبلاء"، (12/ 439_441).

وأما معاملاته المادية:

فقد كان، رحمه الله، من طبقة النبلاء خُلُقاً، الأثرياء مالا، وهؤلاء أشرف الناس بنص حديث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتقي فيه ربه ويصل رحمه، ويعمل لله فيه حقه قال: "فهذا بأفضل المنازل ............. ").

وكان مع هذا تام الاحتشام والصيانة فلا يباشر البيع والشراء بنفسه، لئلا يطاله من سفه التجار ما يكرهه، فكان وكيله ينوب عنه في ذلك، وهكذا العالم ينأى بنفسه عن مواضع الشَيْنِ.

ويوم أن جد خصومه، وعلى رأسهم: محمد بن يحيى الذهلي رحمه الله إمام نيسابور، في التضييق عليه لم تحتمل نفسه المرهفة ما وقع عليها من ظلم فدعا الله، عز وجل، أن يقبضه إليه.

يقول الحافظ الذهبي، رحمه الله، في (12/ 443):

"قال ابن عدي: سمعت عبد القدوس بن عبد الجبار السمرقندي، يقول: جاء محمد إلى أقربائه بخرتنك، فسمعته يدعو ليلة إذ فرغ من ورده: اللهم إنه قد ضاقت علي الأرض بما رحبت، فاقبضني إليك. فما تم الشهر حتى مات". اهـ

وكلام أقرانه فيه: يطوى ولا يحكى، كما قرر ذلك الذهبي، رحمه الله، في "لسان الميزان" بقوله:

"كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به ولاسيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد لا ينجو منه إلا من عصم الله وما علمت أن عصراً من الأعصار سلم أهله من ذلك سوى النبيين والصديقين ولو شئت لسردت من ذلك كراريس اللهم فلا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤف رحيم". اهـ

الشاهد: أن الإحاطة بسمات هذه الشخصية الحساسة، يعطينا تصورا أعمق لهذه المحنة التي أريد بها النيل من هذا الطود الشامخ، وأنى لخصومه ذلك؟!!!!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير