وهو، مع ذلك، أبي، لا يقبل الضيم، ولا يهين العلم، فيتسول به على أبواب السلطان، فدماثة خلقه لا تعني ضعفا أو خورا، وحلمه حلم من:
إذا قيل مهلا قال للحلم موضع ******* وحلم الفتى في غير موضعه جهل.
يقول الحافظ الذهبي، رحمه الله، في "السير"، (12/ 465):
"كان سبب منافرة أبي عبدالله أن خالد بن أحمد الذهلي الأمير خليفة الطاهرية ببخارى سأل أن يحضر منزله، فيقرأ: "الجامع" و "التاريخ" على أولاده، فامتنع عن الحضور عنده، فراسله بأن يعقد مجلسا لأولاده، لا يحضره غيرهم، فامتنع، وقال: لا أخص أحدا.
فاستعان الأمير بحريث بن أبي الورقاء وغيره، حتى تكلموا في مذهبه، ونفاه عن البلد، فدعا عليهم، فلم يأت إلا شهر حتى ورد أمر الطاهرية، بأن ينادى على خالد في البلد، فنودي عليه على أتان.
وأما حريث، فإنه ابتلي بأهله، فرأى فيها ما يجل عن الوصف.
وأما فلان، فابتلي بأولاده، وأراه الله فيهم البلايا". اهـ
وعن ذلك الأمير يقول الحافظ ابن كثير، رحمه الله، في "البداية والنهاية":
"وهذا الرجل هو الذي أخرج البخاري محمد بن إسماعيل من بخارى وطرده عنها، فدعا عليه البخاري فلم يفلح بعدها، ولم يبق في الإمرة إلا أقل من شهر حتى احتيط عليه وعلى أمواله وأركب حمارا ونودي عليه في بلده ثم سجن من ذلك الحين فمكث في السجن حتى مات في هذه السنة، وهذا جزاء من تعرض لأهل الحديث والسنة". اهـ
وصدق الحافظ ابن عساكر، رحمه الله، إذ يقول: "اعلم يا أخي وفقنا الله وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يغشاه ويتقيه حق تقاته أن لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب ابتلاه الله تعالى قبل موته بموت القلب فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم". اهـ
رحم الله أبا عبد الله البخاري، ومحمد بن يحيى الذهلي، وغفر له ما اقترف في حق أبي عبد الله، ولعل الرجلين قد حطا رحالهما في الجنة، فكانا ممن قال فيه الله عز وجل: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ).
والله أعلى وأعلم.
ـ[عامر مشيش]ــــــــ[03 - 08 - 2008, 02:28 م]ـ
رحمه الله وغفر له
يقول الحافظ الذهبي رحمه الله: "وقال بكر بن منير: سمعت أبا عبد الله البخاري يقول: أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحدا.
من يقدرعلى مثل هذا؟
نسأل الله المغفرة.
ـ[بل الصدى]ــــــــ[13 - 01 - 2009, 01:13 ص]ـ
موضوع رائع