إنها القيادة الرشيدة التي تهوى إليها الأفئدة بمثل هذه السلوكيات الكريمة، والأخلاق الحميدة، فما كان النبي- صلى الله عليه وسلم - ليرضى أن يَطعم طعامًا قبل رجاله، وهو الذي يصبِّرهم على العوز، وليس من أخلاقه أن يجلس إلى الموائد الشهية الفاخرة خلسة من وراء جنوده، أو أن يتميز عنهم في طعام أو شراب. .
وهذا درس لقادة الدعوات الذين أفلحوا في التنظير، ولم يفلحوا في كسب احترام جماهير المدعوين، ونجحوا كواجهة دعائية ولم ينجحوا كقدوة تربوية، وأجادوا وأبانوا العلم والفكر والدعوة، وفشلوا فشلاً ذريعاً في نصب راية الدعوة في ميدان الحياة، فضلاً عن مجتمع الدعاة الأقران. وخليق بجميع الدعاة كباراً وصغاراً؛ أن ينزلوا إلى ساحة المدعوين وإلى ميدان العمل ومشاركة الناس همومهم وتحطيم صخور أحزانهم بمعاول الإيمان والقرآن، وليَقُلْ ذلك الداعي الساكن في البرج العاجي: " أنا نازل ", أي إلى الشارع والحي والمجتمع، ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم.
إن الفطنة والألمعية والجهبذة لن تفلح ما دامت نائمة في رؤوس العلماء والدعاة ولم تخرج إلى واقع الحياة! كزير الماء الذي أُحكم غلقة ولم يستفد منه أحد.
أهمية التبشير بالنصر والفتوحات وقت المحن:
إن من أخلاقيات القيادة الإسلامية في ميادين القتال، التبشير بالنصر والتفاؤل بالظفر، والعمل الإعلامي الجاد المتواصل في بث روح الثقة في نصر الله ومدده. .
ففي مشهد الكدية التي عَرَضَتْ على الرجال، وَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَأَخَذَ الْمِعْوَلَ، ليحطم الصخرة التي أرهقت الجنود، َقَالَ:
"تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ". .
فَنَدَرَ ثُلُثُ الْحَجَرِ! وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ قَائِمٌ يَنْظُرُ! فَبَرَقَ مَعَ ضَرْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بَرْقَةٌ. . ثُمَّ ضَرَبَ الثَّانِيَةَ، وَقَالَ:
"تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" ..
فَنَدَرَ الثُّلُثُ الآخَرُ، فَبَرَقَتْ بَرْقَةٌ!! فَرَآهَا سَلْمَانُ، ثُمَّ ضَرَبَ الثَّالِثَةَ، وَقَالَ:
"تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ". .
فَنَدَرَ الثُّلُثُ الْبَاقِي، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ وَجَلَسَ. .
قَالَ سَلْمَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْتُكَ حِينَ ضَرَبْتَ مَا تَضْرِبُ ضَرْبَةً إِلا كَانَتْ مَعَهَا بَرْقَةٌ!!
قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
"يَا سَلْمَانُ. . رَأَيْتَ ذَلِكَ؟؟ "
فَقَالَ: إِي، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ!
فقَالَ النبي – صلى الله عليه وسلم: " فَإِنِّي حِينَ ضَرَبْتُ الضَّرْبَةَ الأولَى رُفِعَتْ لِي مَدَائِنُ كِسْرَى وَمَا حَوْلَهَا، وَمَدَائِنُ كَثِيرَةٌ، حَتَّى رَأَيْتُهَا بِعَيْنَيَّ!!! "!!!
قَالَ لَهُ مَنْ حَضَرَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَفْتَحَهَا عَلَيْنَا وَيُغَنِّمَنَا دِيَارَهُمْ ... !!
فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ.
قال: " ثُمَّ ضَرَبْتُ الضَّرْبَةَ الثَّانِيَةَ فَرُفِعَتْ لِي مَدَائِنُ قَيْصَرَ، وَمَا حَوْلَهَا، حَتَّى رَأَيْتُهَا بِعَيْنَيَّ!!! "!!!
قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَفْتَحَهَا عَلَيْنَا وَيُغَنِّمَنَا دِيَارَهُمْ. ..
فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِذَلِكَ
" ثُمَّ ضَرَبْتُ الثَّالِثَةَ فَرُفِعَتْ لِي مَدَائِنُ الْحَبَشَةِ، وَمَا حَوْلَهَا مِنْ الْقُرَى، حَتَّى رَأَيْتُهَا بِعَيْنَيَّ!!! "!!!
فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَ ذَلِكَ: " دَعُوا الْحَبَشَةَ مَا وَدَعُوكُمْ وَاتْرُكُوا التُّرْكَ مَا تَرَكُوكُمْ" [النسائي: (3125)، وصححه الألباني].
¥