تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[عن الإلهيات والنبوات]

ـ[مهاجر]ــــــــ[22 - 11 - 2008, 09:08 ص]ـ

يقول الله عز وجل: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ)

يقول البلاغيون في هذه الآية: بطلان اللازم وهو: فساد السماوات والأرض يدل على بطلان الملزوم وهو: تعدد الآلهة.

فصلاح العالم مرهون بصحة مقالة البشر في الإلهيات والنبوات وهذا أمر مشاهد في العالم، إذ أوجد الرب جل وعلا العالم، ثم أشرك العباد معه آلهة الباطل ففسد حالهم بقدر فساد مقالتهم في الألوهية، فكلما توغل العبد في الشرك زاد فساده، ولذلك كان فساد أمم الهند والترك من الملاحدة أعظم من فساد أهل الملل، وفي العصر الحديث: كان فساد الشيوعية الملحدة أعظم من فساد الرأسمالية، لأن الثانية تقر إجمالا بوجود الله، عز وجل، وبالنبوات، ولذلك تهاوت الأولى بعد تجربة قصيرة فاشلة لمخالفتها كل نقل وعقل وفطرة بينما استمرت الأخرى وهذا من بركة النبوة، فإن من كان منها أقرب كان أسلم من الفساد، وبين أهل الملل: كان فساد اليهود والنصارى أعظم من فساد المسلمين، لانحرافهم في باب الإلهيات والنبوات جفاء عند اليهود وغلوا عند النصارى، بخلاف المسلمين الذين أصابهم من فساد الملتين ما أصابهم، ولكن الحق فيهم ظاهر، فكل فساد فيهم فهو عند غيرهم أعظم، وكل خير في غيرهم فهو فيهم أعظم، كما قرر ذلك ابن تيمية، رحمه الله، وبين نحل الإسلام: كان فساد الفرق المخالفة لأهل السنة أعظم من فساد أهل السنة، لانحرافهم عن الأمر الأول الذي جاء به محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بخلاف أهل السنة، فإنهم قد يصيبهم من غبار مقالات الفرق ما يصيبهم ولكن الحق فيهم ظاهر، فهم الطائفة المنصورة لتمسكهم بهدي النبوة على طريقة خير طباق الأمة فاجتمع لهم من صحة الدليل وصحة المدلول ما لم يجتمع لغيرهم، فيقال فيهم أيضا: كل فساد فيهم فهو عند غيرهم من أهل القبلة أعظم، وكل خير في غيرهم فهو فيهم أعظم. فمناط الأمر: تعظيم النبوات فهي طريق العباد المهيع في تصحيح الإلهيات.

وفي قوله تعالى: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ)

سبر وتقسيم بديع بحصر الاحتمالات الممكنة ويكر عليها إلغاء أو اعتبارا فالاحتمالات ثلاثة:

أن يكون للكون آلهة متعددة، فيستقل كل إله بعابديه كما يستقل ملوك الدنيا كل بأرضه ورعاياه.

أو يعلو بعضهم على بعض فتقع الحروب بينهم، كما تقع بين ملوك الدنيا الذين يتسلط بعضهم على بعض.

والثالث مسكوت عنه لدلالة السياق عليه، إذ هو متمم للقسمة العقلية الثلاثية، فلم يبق إلا أن يكون للعالم رب واحد خلق فبرأ فصور فاستحق الانفراد بالألوهية فرعا على انفراده بالربوبية، وهذا من الحجاج العقلي البديع الذي يلزم الخصم فيه الحجة بإبطال ما اعتبره واعتبار ما أبطله أو جحده.

وأهل العلم يطلقون على هذا الدليل: دليل التمانع، فإذا ثبت انتظام أمر هذا الكون وفق سنة مطردة، دل ذلك على امتناع تعدد الأرباب، فهذا التمانع في الربوبية لازمه امتناع تعدد الآلهة وهذا هو: التمانع في الألوهية إذ لا يستحق الإفراد بالعبادة إلا من انفرد بالخلق والملك والتدبير والرزق ........... إلخ من أوصاف الربوبية، وتتبع هذا الدليل العقلي في آيات الكتاب المنزل أمر يستحق الإفراد بالبحث، فإن إثبات انفراد الرب جل وعلا بالربوبية غالبا ما يذيل بالأمر بإفراده بالعبودية، وذلك لازم الألوهية، فالأولى: مقدمة، والثانية: نتيجة، أو: الأولى: علة، والثانية: معلولها، أو: الأولى: ملزوم والثانية: لازمها، أو الأولى: أصل والثانية: فرع، فمن صح تصوره للرب جل وعلا: ذاتا وصفاتا وأفعالا صح حكمه فلم يصرف عبوديته لغيره وبقدر الخلل في التصور يكون الخلل في الحكم، فيختل التصور في عقيدة التثليث فتصرف العبودية للمسيح عليه الصلاة والسلام، ويزداد الخلل في التصور عند عباد التماثيل والأحجار والأشجار بل والأبقار، فيزداد الحكم فسادا فتصرف العبودية إلى ما لا يعقل!!!.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير