تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[ظهر الفساد في البر والبحر]

ـ[فالح]ــــــــ[07 - 12 - 2008, 01:54 ص]ـ

كيف يَسلمُ من له زوجةٌ لا ترحمُهُ , وولدٌ لا يعذُرهُ , وجارٌ لا يأمْنُهُ , وصاحبٌ لا ينصحهُ , وشريكٌ لا يُنصفهُ , وعدوٌ لا ينامُ عن مُعاداتِهِ , ونفسٌ أمارةٌ بالسوءِ , ودنيا مُتزيِّنَةٌ , وهوىً مُردٍ , وشهوةٌ غالبةٌ له , وغضبٌ قاهرٌ , وشيطانٌ مُزيِّنٌ , وضعفٌ مستولٍ عليه , فإن تولاهُ اللهُ وجذبه إليه انقهرت له هذه كلها , و إن تخلى عنه ووكله إلى نفسه اجتمعت عليه فكانت الهلكةُ.

لمّا أعرض النَّاس عن تحكيم الكتاب والسنة والمحاكمة إليهما واعتقدوا عدم الإكتفاء بهما وعدلوا إلى الآراء والقياس والاستحسان وأقوال الشيوخ , عرض لهم من ذلك فسادٌ في فطرهم وظلمة في قلوبهم وكدرٌ في أفهامهم , ومحقٌ في عقولهم.

وعمَّتهم هذه الأمور وغلبت عليهم , حتى رَبَى فيها الصغير , وهَرِمَ عليها الكبير , فلم يروها منكراً , فجاءتهم دولةٌ أخرى قامت فيها البدع مقام السنن , والنفس مقام العقل , والهوى مقام الرُّشد , والضلال مقام الهدى , والمنكر مقام المعروف , والجهل مقام العلم , والرياء مقام الإخلاص , والباطل مقام الحق , والكذب مقام الصدق , والمداهنة مقام النصيحة , والظلم مقام العدل , فصارت الدولة والغلبة لهذه الأمور , وأهلها هم المشُار إليهم , وكانت قبل ذلك لأضدادها , وكان أهلها هم المشار إليهم.

فإذا رأيت دولةَ هذه الأمور قد أقبلت , وراياتها قد نصبت , وجيوشها قد ركبت , فبطن الأرض - والله - خير من ظهرها , وقُلَلُ الجبالِ خيرٌ السهولِ , ومخالطة الوحشِ أسلمُ من مخالطة الناس.

إقشعّرتِ الأرضُ , وأظلمت السماءُ , وظهر الفسادُ في البر والبحر من ظلم الفجرة , وذهبتِ البركاتُ , وقلَّتِ الخيراتُ , وهَزَلَتِ الوحوشُ , وتكدّرت الحياة من فسقِ الظلمةِ , وبكى ضوء النهارِ وظلمةُ الليلِ من الأعمالِ الخبيثةِ والأفعالِ الفظيعةِ , وشكا الكرامُ الكاتبونَ والمُعّقِباتُ إلى ربهم من كثرةِ الفواحشِ وغلبةِ المنكراتِ والقبائِحِ.

هذا - والله - مُنذرٌ بسيلِ عذابٍ قد انعَقَدَ غمامهُ , ومُؤْذِنٌ بليلِ بلاءٍ قد ادلهمَ ظلامُهُ , فاعتزلوا عن طريق هذا السبيلِ بتوبةٍ نصوحٍ مادامةِ التوبةُ ممكنةٌ وبابها مفتوحٌ , وكأنكم بالبابِ وقد أغلق , وبالرهنِ وقد غَلِقَ , وبالجناحِ وقد عُلِّق: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء:227].

لـ شمس الدين أبو عبدلله محمد بن أبي بكر الشهير بابن قيم الجوزية من كتاب مختصر الفوائد

ـ[سمية ع]ــــــــ[07 - 12 - 2008, 11:30 ص]ـ

جزاك الله خيرا على هذا النقل المميز

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير