تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"وفي الجملة من عَدَل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئًا في ذلك، بل مبتدعًا، وإن كان مجتهدًا مغفورًا له خطؤه. فالمقصود بيان طرق العلم وأدلته، وطرق الصواب. ونحن نعلم أن القرآن قرأه الصحابة والتابعون وتابعوهم، وأنهم كانوا أعلم بتفسيره ومعانيه، كما أنهم أعلم بالحق الذي بعث اللّه به رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن خالف قولهم وفسر القرآن بخلاف تفسيرهم فقد أخطأ في الدليل والمدلول جميعًا. ومعلوم أن كل من خالف قولهم له شبهة يذكرها إما عقلية وإما سمعية". اهـ

"شرح مقدمة أصول التفسير"، ص75، 76.

ويقول الآجري، رحمه الله، بعد إيراد أحاديث في النهي عن المراء:

"وإنما مرادي ها هنا ترك الجدال والمراء في القرآن، فإنا قد نهينا عنه، ولا يقول إنسان في القرآن برأيه، ولا يفسر القرآن، إلا ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أحد من الصحابة، أو عن أحد من التابعين أو عن إمام من أئمة المسلمين، ولا يماري ولا يجادل". اهـ

"الشريعة"، ص63.

ويقول الطبري رحمه الله:

"فأحقُّ المفسرين بإصابة الحق - في تأويلِ القرآنِ الذي إلى عِلم تَأويله للعباد السبيلُ - أوضحُهم حُجة فيما تأوّل وفسَّر، مما كان تأويله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم دون سائر أمته من أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه: إمَّا من جهة النقل المستفيض، فيما وُجِد فيه من ذلك عنه النقلُ المستفيض، وإمَّا من جهة نقل العدول الأثبات، فيما لم يكن فيه عنه النَّقلُ المستفيض، أو من جهة الدلالة المنصوبة على صحته؛ وأصحُّهم برهانًا - فيما ترجَم وبيّن من ذلك - ممَا كان مُدركًا علمُه من جهة اللسان: إمّا بالشواهد من أشعارهم السائرة، وإمّا من منطقهم ولغاتهم المستفيضة المعروفة، كائنًا من كان ذلك المتأوِّل والمفسِّر، بعد أن لا يكون خارجًا تأويلُه وتفسيره ما تأول وفسر من ذلك، عن أقوال السلف من الصحابة والأئمة، والخلف من التابعين وعلماء الأمة". اهـ

فالسلامة، كل السلامة، في اتباع أقوال من سلف، لأنهم أعلم الناس بلسان الوحي ومقاصده، فاختلافهم أقل من اختلاف من تلاهم، وإجماعهم خير من إجماع من تلاهم، وتزكية الوحي لهم مطلقة، بخلاف من جاء بعدهم فإنما يمدح بقيد: اتباعهم بإحسان، وفي التنزيل: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

وأما الغرب فلن يرضى عنا إن داهنا وأعطينا الدنية في ديننا، بل سيطمع فينا أكثر، تماما كما طمع نصارى مصر الآن فينا لما تساهل المسلمون معهم إلى حد الميوعة والمداهنة في دين الله، عز وجل، فماذا كانت النتيجة؟!!، مزيدا من الابتزاز. وفي التنزيل: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ).

يذكر أحد الفضلاء عندنا في مصر نقلا عن أحد مفكري الغرب قوله في عجب وتيه: نحن لا نصنع الديمقراطية للتصدير، بل هي لنا فقط، وعلى المسلمين أن ينظروا إليها نظر المتحسر، الذي يعيش في ظل حكومات ديكتاتورية جبرية، فالملك الآن: جبري كما أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو الذي يسبق الخلافة التي على منهاج النبوة، أقر الله، عز وجل، أعيننا بقيامها، فديمقراطيته التي يرى أنها أعظم إنجازات الغرب ليست إلا للغرب، مع أن تلك الديمقراطية لا تصلح للمسلمين أصلا، لأنها تنافي أصل الإسلام الذي هو الاستسلام الشرعي لله، عز وجل، في الأصول والفروع، في العبادات والمعاملات، في السياسات والحروب .......... إلخ، مصداق قوله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، ففي شريعة الإسلام: (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ)، وفي ديمقراطية الغرب: إن الحكم إلا للإنسان، ولو حكم بمشروعية فاحشة قوم لوط وإتيان البهائم!!!، وقد أغنانا الله، عز وجل، بشريعة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن زبالات أذهان رجال الشرق والغرب، ولكننا لا نعرف قيمة ما بأيدينا من الحق فلا نحسن الدفاع عنه، بل إنه، عند التحقيق كفيل بتحطيم كل شبهات الخصوم، بل ومذاهبهم من أساسها، إذ قوته ذاتية أودعها الله، عز وجل، فيه، ولكن من يحسن استغلالها في صد غارة الغرب الفكرية والعسكرية الظالمة ثم الهجوم على حضارته الزائفة وإظهار عوارها؟!!

والله أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير