وبنت الستين ما بها فائدة للسائلين؛؛ وبنت السبعين عجوز في الغابرين؛؛ وبنت التسعين شيطان رجيم؛؛ وبنت المائة من أصحاب الجحيم.
فضحك الحجاج وقال: أي النساء أحسن؟
فقال الغلام: ذات الدلال الكامل والجمال الوافر والنطق الفصيح التي يهتز نهدها ويرتاح ردفها.
فقال له الحجاج: أخبرني عن أول من نطق في الشعر؟
فقال الغلام:سيّدنا آدم عليه السلام وذلك لما قتل قابيل أخاه هابيل.
أنشد آدم يقول:
بكت عيني وحق لها بكاها ... ودمع العين منهمل يسيح
فما لي لا أجود بسكب دمع ... و هابيل تضمّنه الضريح
رمى قابيل هابيلاً أخاه ... والحد في الثرى الوجه الصبيح
تغيرت البلاد ومن عليها ... فوجه الأرض مغبر كشيح
تبدل كل ذي طعم ولون ... لفقدك يا صبيح يا مليح
أيا هابيل إن تقتل فإني ... عليك الدهر مكتئب قريح
فأنت حياة من في الأرض جميعاً ... وقد فقدوك يا روح وريح
وأنت رجيح قدر يا فصيح ... سليم بل سميح بل صبيح
ولست ميت بل أنت حي ... و قابيل الشقي هو الطريح
عليه السخط من رب البرايا ... و أنت عليك تسليم صريح
فأجابه إبليس يقول:
تنوح على البلاد ومن عليها ... وفي الفردوس قد ضاق بك الفسيح
وكنت بها وزوجك في نعيم ... من المولى وقلبك مستريح
خدعتك في دهائي ثم مكري ... إلى أن فاتك العيش الرشيح
فقال الحجاج: أخبرني يا غلام عن أجود بيت قالته العرب في الكرم؟
فقال الغلام: هو بيت حاتم طي.
حيث يقول: ـــ
وأكرم الضيف حتما حين يطرقني ... قبل العيال على عسرٍ و إيسارِ
فقال الحجاج: أحسنت يا غلام وأجملت وقد غمرتنا ببحر علمك فوجب علينا إكرامك ثم أمر له بألف دينار وكسوة حسنة و جارية وسيف وفرس.
وقال الحجاج في نفسه: إن أخذ الفرس نجا .. وإن أخذ غيرها قتلته ..
فلما قدمها له قال الحجاج: خذ ما تريد يا غلام ..
فغمزته الجارية. وقالت: خذني أنا خير من الجميع فضحك الغلام وقال ليس لي بك حاجة وأنشد يقول: ـــ
و قرقعت اللجان برأس حمراً ... أحب إلىّ مما تغمزيني
أخاف إذا وقعتِ على فراشي ... وطالت علتي لا تصحبيني
أخاف إذا وقعنا في مضيقٍ ... وجار الدهر بي لا تنصريني
أخاف إذا فقدتِ المال عندي ... تميلي للخصام وتهجريني
فأجابته الجارية تقول: ــ
معاذ الله أفعل ما تقول ... ولو قُطِعت شمالي مع يميني
وأكتم سر زوجي في ضميري ... وأقنع باليسير وما يجيني
إذا عاشرتني وعرفت طبعي ... ستعلم أنني خير القرين فقال الحجاج: ويلك ألا تستحين تغمزينه وتجاوبينه بالشعر.
فقال الغلام: إن كنت تخيرني فإنني أختار الفرس أما إن كنت ابن حلال فتعطيني الجميع.
فقال الحجاج: خذهم لا بارك الله لك فيهم.
فقال الغلام: قبلتهم لا أخلف الله عليك غيرهم ولا جمعني بك مرة أخرى.
ثم قال الغلام: من أين أخرج يا حجاج؟
فأجابه الحجاج: أخرج من ذاك الباب فهو باب السلام.
فقال الجلساء للحجاج: هذا جلف من أجلاف العرب أتى إليك وسبَّكَ وأخذ مالك فتدله على باب السلام! ولم تدله على باب النقمة والعذاب؟
فقال الحجاج: إنه استشارني والمستشار مؤتمَن ...
وخرج الغلام من بين يدي الحجاج سالماً غانماً بتلك البلاغة وهذا الذكاء وحسن التطلع وما تصنعه المعرفة في المرء.,
لله در الغلام ودرك يا حجاج
رحمك الله إن كان سيرحمك
فهو رب الكون والقاضي في أمرك
وما يريده الله يكون بلا شك أو ظنون.
المراجع.,
تاريخ الخلفاء_ للحافظ جلال الدين السيوطي
الحجاج بن يوسف الثقفي المفترى عليه _للدكتور محمود زيادة.
محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء_ للراغب الأصفهاني
الحجاج بن يوسف الثقفي_ للدكتور إحسان صدقي العمد.
التاريخ الكبير _ عز الدين أبو الحسن "ابن الأثير"
مروج الذهب _ المسعودي
العقد الفريد _لابن عبد ربه
البداية والنهاية_للحافظ ابن كثير
الدولة الاموية_الدكتور علي محمد الصلابي
الطبقات_لابن سعد
ـ[نُورُ الدِّين ِ مَحْمُود]ــــــــ[05 - 12 - 2008, 07:45 ص]ـ
¥