تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[الحركة السلفية ودورها في إحياء السنة (في الهند) للشيخ عبدالرحمن الفريوائي]

ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[17 - 03 - 08, 09:08 ص]ـ

بقلم عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي

بالدراسات العليا بالجامعة الإسلامية

ابتدأت حركة إحياء السنة في شكلها القوي في أواخر القرن الثالث عشر وتنورت بأشعتها بلاد دهلي وبهار وبنكال وجنوب الهند وشمالها وبلاد السند وكجرات ودكن وسرحد وفنجاب بل تجاوزت إلى البلاد الإسلامية، فكانت مثل تلك الحركة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.

وقاد هذه الحركة العلمية والإصلاحية مجددا عصرهما الإمام النواب صديق حسن البوفالي والامام السيد نذير حسين المحدث الدهلوي. فخدم الأول علوم السنة بالتأليف والنشر وبذل الأموال الطائلة واحتضان العلم والعلماء بكل جد ونشاط وبكل جود وحماس، وخدم الثاني علوم السنة وإحيائها بتدريس الحديث مدة طويلة تستغرق اثنين وستين عاما، وكانت هذه المدرسة السلفية متأثرة بفكر الإمام إسماعيل الشهيد الواضح النير ومنهجه السلفي القويم الذي كان يهدف إلى دعوة الناس إلى التمسك بالكتاب والسنة على منهج السلف الصالح. وكان شعار أصحاب هذه المدرسة العمل بالحديث وعدم التقيد بالتقليد والاجتناب عن التصوف الشكلي.

وبجهود هذين الإمامين المتضافرة نشطت حركة إحياء السنة نشاطا كبيرا فكثر المعتنون بعلوم الكتاب والسنة وكثر دعاتها و كثرت المؤلفات في علوم السنة ونشرت كتب السنة بكثرة كاثرة، في عصر انقراض دولة المسلمين الذي بلغت حركة السنة فيه منتهى الضعف.

وقد اعترف الإمام العلامة رشيد رضا في سنة 1353هـ. بخدمات علماء السنة في الهند فقال في مقدمة كتاب مفتاح كنوز السنة:

"وهذا كتاب مفتاح كنوز السنة الذي نعرضه اليوم للعالم الإسلامي بلغة الإسلام أحد نفائس هذه الكتب التى وضعها أحد هؤلاء الأعلام وإنما وضعه لهم بإحدى لغاتهم وإن عالمنا الإسلامي لهو أحوج إليها من العالم الأوربي، فعسى أن تنتفع به جميع شعوبه وتنهض بهم الحمية الدينية إلى خدمة السنة، قلَّ من يريده حتى إن من المقلدين الجامدين من لا يرى لهذه الكتب فائدة إلا التبرك بها والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره، وذكرها ولولا عناية إخواننا علماء الهند بعلوم الحديث في هذا العصر لقضي عليها بالزوال من أمصار الشرق، فقد ضعفت في مصر والشام والعراق والحجاز منذ القرن العاشر للهجرة حتى بلغت منتهى الضعف في أوائل هذا القرن الرابع عشر" [1].

وقد سبق هذا الاعتراف والثناء العاطر في سنة 1347هـ، من العلامة المحقق عبد العزيز الخولي فهو يقول في مفتاح السنة تحت عنوان حال السنة في عصرنا الحاضر:

"ولا يوجد في الشعوب الإسلامية على كثرتها واختلاف أجناسها من وفَّى الحديث قسطه من العناية في هذا العصر مثل إخواننا مسلمي الهند، أولئك الذين وجد بينهم حفاظ للسنة دارسون لها على نحو ما كانت تدرس في القرن الثالث،

حرية في الفهم ونظر في الأسانيد".

وهذا كان منهج تدريس الحديث وتنقيد الروايات لكل من المحدث السيد نذير حسين الدهلوي والمحدث حسين بن محسن الأنصاري والنواب صديق حسن البوفالي، الذي كان يتجلى فيه روح الاجتهاد وحرية في الفهم ونظر في الأسانيد على المنهج السلفي الذي نرى في مؤلفات الشاه ولي الله الدهلوي والإمام الشوكاني، وإلى ذلك المنهج أشار الأستاذ الخولي فقال:

"وإن أساس تلك النهضة في البلاد الهندية أفذاذ أجلاء تمخضت بهم العصور الحديثة وانتهجوا في تحصيل العلوم نهج السلف فنبه شأنهم وعلا أمرهم وذاع صيتهم وتكونت جمعيات سلكت سبيلهم وعملت على نشر مبادئهم، فكان لها ذلك الأثر الصالح والسبق الواضح ومن أشهر هؤلاء الأعلام ولي الله الدهلوي صاحب التصانيف في اللغتين العربية والفارسية وأشهرها حجة الله البالغة والسيد صديق حسن خان ملك بهوبال صاحب التصانيف الكثيرة أيضا".

ثم يقول: "ومن حسناته طبع فتح الباري في شرح البخاري للحافظ ابن حجر ونيل الأوطار للإمام الشوكاني وتفسير الحافظ ابن كثير مع تفسيره فتح البيان، طبعت هذه على نفقته في المطبعة الأميرية بمصر، فكانت من أنجح وسائل إحياء السنة".

واستطرد قائلا: "وفي الهند طائفة الآن كبيرة تهتدي بالسنة في كل أمور الدين، ولا تقلد أحدا من الفقهاء ولا المتكلمين، وهي طائفة المحدثين" [2].

وقد أثنى العلامة محمد منير الدمشقي على علماء أهل الحديث في الهند في كتابه نموذج من الأعمال الخيرية ثناء عاطرا فقال:

"وهي نهضة عظيمة أثَّرت على باقي البلاد الإسلامية فاقتدى بها غالب البلاد الإسلامية في طبع كتب الحديث والتفسير" [3].

كما اعترف الأستاذ الخولي بفضلهم فقال: "طبعوا كثيرا من كتبها النفيسة التي كانت تذهب بها الإهمال وتقضي عليها غير الزمان" [4].

وهذه الكتب التي قام بنشرها أهل الحديث هي: فتح الباري من مصر ومن الهند، وتفسير ابن كثير والسنن للدارمي، والتلخيص الحبير لابن حجر، وبلوغ المرام لابن حجر، والدراية في تخريج الهداية لابن حجر، والأدب المفرد للبخاري، والتاريخ الصغير له، وسبل السلام ومنتقى الأخبار، وشرح خمسين حديثا لابن رجب، وسنن الدارقطني مع التعليق المغني لشمس الحق العظين آبادي، واللآلي المصنوعة للسيوطي، وقيام الليل للمروزي، وذيل اللآلي، والمعجم الصغير للطبراني، والمقاصد الحسنة للسخاوي، والفوائد المجموعة للشوكاني، وغير ذلك من نفائس كتب الحديث والتفسير.

وقد اعترف بفضل حركة أهل الحديث في اعتناء الحنفية بالكتاب والسنة أحد كبار علماء الحنفية وهو العلامة مناظر أحسن الكيلاني من تلامذة العلامة محمد أنور الكشميري، فقال:

"ويعترف أن اعتناء أحناف شبه القارة الهندية بالنبعين الأساسيين للدين الكتاب والسنة فيه دخل كبير لحركة أهل الحديث ورفض التقليد، وإن لم يترك عامة الناس التقليد إلا أنه قد تحطم سحر التقليد الجامد والاعتماد الأعمى" [5].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير