تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكذلك لم تُدوَّن الأحاديث في عهد الخلفاء الراشدين تدوينًا منظمًا كراهة أن يتخذها الناس مصاحف، ويشتغلون بها عن القرآن، لاسيما أن العهد بالقرآن كان حديثًا، وأن رقعة الإسلام كانت تتوسع باستمرار، فلا بد من ترسيخ القرآن في القلوب أولًا، فاقتصروا على حفظ السنة بالصدور، ومن كان يكتب منهم ليس لضعف ملكة حفظه، وإنما زيادةً في الضبط وتحرير لفظ الحديث. وكان هؤلاء يكتبون لأنفسهم فقط.

ثم جاءت الظروف التي تقتضي تدوين السنة في نهاية القرن الأول. فقد استقر حفظ القرآن، وبدأ حملة الحديث من الصحابة والتابعين يقلّون، وبدأ أهل الأهواء يضعون الأحاديث، ونشأ جيلٌ جديدٌ نتيجة الاختلاط بالأعاجم قليلُ الضبط ضعيفُ الحفظ، لاسيما أن تطاول الزمن يعني تطاول سلسلة إسناد الحديث. وكان أول أمر رسمي يصدر بتدوين السنة عن عبد العزيز بن مروان (ت85هـ) الذي كان واليًا على مصر، فطلب من التابعي كثير بن مُرَّة الحضرمي في حمص أن يكتب له ما سمع من الحديث، ثم عمّم عمر بن عبد العزيز (ت101هـ) الطلب إلى علماء الآفاق بتدوين الحديث خوفًا من دروس العلم وذهاب العلماء. فتمَّ جمع حديث ابن شهاب الزهري (ت124هـ) والقاسم ابن محمد بن أبي بكر (107هـ) وعَمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية (98هـ) وغيرهم. وكانوا يجمعون الأحاديث التي وردت في الموضوع الواحد في مصنّف واحد، إلا أنه لم يصلنا من هذه المصنفات سوى ما أدرج منها في كتب من أخذ عنهم فيما بعد.

ثم تلتهم طبقة أخرى فكتب ابن جريج (150هـ) بمكة، وابن إسحاق (151هـ) ومالك (179هـ) بالمدينة، والربيع بن صبيح (160هـ) وسعيد بن أبي عروبة (156هـ) وحماد بن سلمة (176هـ) بالبصرة، وسفيان الثوري (161هـ) بالكوفة، والأوزاعي (156هـ) بالشام، وهشيم (188هـ) بواسط، ومعمر بن راشد (153هـ) باليمن، وجرير بن عبد الحميد (188هـ) وابن المبارك (181هـ) بخراسان.

وكان هؤلاء يضعون الأحاديث في المسألة الواحدة في باب واحد ثم يضمون جملة الأبواب في مصنف، ويمزجون الأحاديث بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين. بخلاف أهل القرن الأول كالزهري فإنهم كانوا يخصون كلَّ مؤلَّف بباب واحد من أبواب العلم فقط.

وهكذا فقد ازدهرت حركة التدوين في منتصف القرن الثاني، إلا أنه لم يصل إلينا من مؤلفات تلك الحقبة إلا القليل كموطأ مالك ومسند الشافعي والآثار لمحمد بن الحسن الشيباني.

وقد وصلنا من المخطوطات الألفية في هذه الحقبة مخطوطة واحدة هي موطأ مالك.

ثم تطور أسلوب تدوين الحديث والتصنيف في فنونه، وانتقلت أحاديث الزهري وغيره إلينا في تلك المصنفات المتجددة التي هي مصنفات القرن الثالث، وفيها أخذ التدوين أسلوبًا أخر يقوم على إفراد أحاديث رسول الله r عن أقوال الصحابة وفتاوى التابعين، وكان هناك ثلاثة أنواع متميزة من المصنفات:

النوع الأول: جمع فيه أصحابه الحديث على المسانيد، وهي التي تُرتَّب فيها الأحاديث تبعًا لمن يرويها من الصحابة فيجعل تحت اسم كل صحابي ما رواه من حديث وإن اختلفت موضوعاته.

ومثال ذلك: مسند عبيد الله بن موسى (213هـ) ومسند الحميدي (219هـ) ومسند مسدد (228هـ) ومسند إسحاق بن راهويه (237هـ) ومسند ابن أبي شيبة (239هـ) ومسند أحمد (241هـ) ومسند عبد بن حميد (249هـ) ومسند ابن شيبة (262هـ) ومسند ابن مهدي (272هـ) والمسند الكبير لبقي بن مخلد (276هـ).

وقد وصلنا عدد من المخطوطات الألفية لأربعة من المسانيد.

النوع الثاني: التصنيف على أبواب الفقه. ومنهم من اقتصر على الصحيح كالبخاري (256هـ) ومسلم (261هـ)، ومنهم من لم يقتصر عليه كأبي داود (275هـ) والترمذي (279هـ) والنسائي (303هـ). ويعدّ هذا العصر من أجلِّ عصور تدوين الحديث لظهور هذه المؤلفات المهمة فيه. ولم يفت الكتب الخمسة هذه من الأحاديث الصحيحة إلا النزر اليسير.

ويمكن لنا أن نقسم المصنفات التي وضعت على أبواب الفقه في هذه المرحلة إلى قسمين رئيسين:

الأول: الجوامع: وهي التي تضم أحاديث شاملة لموضوعات الدين الثمانية: العقائد والأحكام والسير والآداب والتفسير والفتن وأشراط الساعة والمناقب. ومنها جوامع البخاري ومسلم والترمذي وابن وهب. وقد وصلنا عدد من المخطوطات الألفية لجامعي البخاري وابن وهب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير