فالكاتب إما لم يفهم، أو أنه مخالف لعقيدة أهل السنة والجماعة من أن النبي صلى الله عليه وسلم هو من سيلجأ إليه أهل المحشر لطلب الدعاء إلى الله تعالى من أجل تفريج ما هم فيه، وليس سواه من الخلق، بل ولا الخالق، من سيلجأون إليه .. فكلام البوصيري هناك عين الصواب ...
وقد بين ذلك بقول: "ولن يضيق رسول الله جاهك بي، إذا الكريم تجلى باسم منتقم" ... يعني يوم القيامة ...
[ quote= زكرياء توناني;504768] ثم نراه يجعل الدنيا والآخرة من جوده، وأن علم اللوح والقلم من بعض علومه وهذا مع ما فيه من الشرك كفر بالله عز وجل. لأن كل ما ذكره من أوصاف الربوبية والألوهية لا يجوز بأي حال من الأحوال وصف أي مخلوق بها وإنما أي من صفات الخالق وحده.
قال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} وقال تعالى: {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا}. وقال تعالى: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ}. . . الآية. وقال تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا}] اهـ المقصود / quote]
هذا فيه من التحامل وعدم الفهم ما لا يصور، لأن كلام الناظم في الشطر الأول يقتضي معنيين:
إما أن من جوده خير الدنيا، وخير الآخرة، وحذف لفظة "خير" للمجاز، فلا ضير ولا خلاف في ذلك، إذ باتباع شريعته صلى الله عليه وسلم يحصل خير الدنيا والآخرة، كما تقرر في الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية الكثيرة ... حتى قال الإمام الشافعي رحمه الله في مقدمة "الرسالة": "فلا نعمة تصيبنا في الدنيا والآخرة حسا ومعنى إلا وهو الواسطة فيها صلى الله عليه وسلم" .. أو كلاما هذا معناه، فليرجع إلى لفظه فيها ..
وإما أنه يقصد أن الدنيا والآخرة من جوده صلى الله عليه وسلم، بمعنى استمرارهما وبقاؤهما، ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم "رحمة للعالمين" بنص القرآن، والعالمين جمع عالم، والدنيا والآخرة عالمان من العالمين، ولولا الرحمة لما قاما، فلا يشك مؤمن في ذلك، بنص الكتاب والسنة والإجماع ...
وأما قوله: ومن علومك علم اللوح والقلم ... فهو يقصد القرآن الكريم، لأن فيه نبأ كل شيء كما في الكتاب والسنة، و"شيء" عام، ولا شك أن الله تعالى ما أرسله بالقرآن حتى علمه صلى الله عليه وسلم معانيه، ومستنبطاته، وعلومه ... إلخ. فكلام البوصيري هنا لا غبار عليه .. وراجع علوم الكتاب وما ورد فيها من أقوال السلف والخلف، وما وردت فيها من الأحاديث والإعجاز، فكل ذلك من علوم النبي صلى الله عليه وسلم ..
أما أن يظن ظان - كما قاله بعض المنتقدين - بأن علم الله تعالى مقصور على اللوح والقلم؛ فيستحق أن يتلى عليه: "وما قدروا الله حق قدره" ...
اقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة زكرياء توناني
لو ناسبت قدره آياته عظما ... أحيا اسمه حين يدعى دارس الرمم
يقول: إن النبي عليه الصلاة والسلام لم يعط آية تناسب قدره، قال الشراح: حتى القرآن لا يناسب قدر النبي صلى الله عليه وسلم والعياذ بالله. يقولون: والقرآن المتلو بخلاف غير المتلو عند الأشاعرة؛ لأنهم يفرقون بين هذا وهذا.
فهذا البوصيري يغلو ويقول: لو ناسبت قدره - يعني النبي عليه الصلاة والسلام - آياته عظما - يعني في العظمة - أحيا اسمه حين يدعى دارس الرمم، فالذي يناسب قدره، عند البوصيري أنه إذا ذكر اسمه على ميت قد درس، وذهب رميمه في الأرض، وذهبت عظامه أن تتجمع هذه العظام وتحيى، لأجل ذكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم عليه، وهذا من أنواع الغلو الذي يحصل من الذين يعبدون غير الله - جل وعلا - ويتوجهون إلى الأنبياء والرسل، ويجعلون في حقهم من خصائص الألوهية ما لا إذن لهم به، بل هو من الشرك الأكبر بالله جل وعلا، ومن سوء الظن بالله، ومن تشبيه المخلوق بالخالق، وهذا كفر والعياذ بالله]
¥