تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذا كلام مخالف للصواب، عري عن التحقيق؛ لأن البوصيري هنا يصف ويتلذذ بالوصف والمناجاة، ولا يقرر عقيدة، ثم هو أنكر أن تحيا الموتى بذكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم، فما مناسبة التحامل عليه وقد أنكر الموضوع؟ ...

ثم إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أحيى الله به القلوب، فما المانع من أن يحيي به الموتى، إلا أنه تعالى لم يفعل ذلك لحكمة يريدها تعالى ...

وهاهو عزير عليه السلام، وعيسى عليه السلام، وهما أدون قدرا من المصطفى صلى الله عليه وسلم كما هي عقيدة أهل السنة والجماعة، وقد أحيى الله تعالى على أيديهما الموتى ...

ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل بنص القرآن "رحمة للعالمين"، ومن عموم الرحمة إحياء الموتى، ولكن لم يكن ذلك من معجزاته صلى الله عليه وسلم، فلو ناسبت قدره آياته عظما، لعمت رحمته حتى الموتى فأحياهم الله تعالى عند ذكر اسمه الشريف صلى الله عليه وسلم ...

وقوله بأن الشراح قالوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤت معجزة تناسب قدره، حتى القرآن الكريم ...

أقول: هذا بهتان كبير، فمن قال بذلك من الشراح، وما هو نصه، وأين يقع؟ ... لم نر ولم نسمع قط بهذا ... ولا يقتضيه لفظ الشاعر أبدا، ولا يفهم منه ذلك قطعا ...

وختاما، هذه رقائق ومبالغات لا حصر لها في كلام الشعراء قديما وحديثا، من مدح سعدى وسلما، والدن والدنان، ومن مدح الأنبياء والرسل عليهم السلام، فلا يجب أن نتعامل معها كما نتعامل مع النصوص الفقهية والبحوث الأصولية، لأنه تعارف أنها ألفاظ لا تقتضي ظواهرها، والمعروف عرفا كالمشروط شرطا كما لا يخفى على من يعلم علم الأصول ... والله الموفق للصواب، والسلام ...

كلام الإمام الشافعي في مطلع "الرسالة" رحمه الله تعالى، هذا نصه: "وصلى الله عز وجل على نبينا محمد كلما ذكره الذاكرون، وغفل عن ذكره الغافلون، وصلى الله عليه في الأولين والآخرين، أفضل وأزكى ما صلى أحد من خلقه ... فلم تمس بنا نعمة ظهرت ولا بطنت، نلنا بها حظا في دين ودنيا، ودفع عنا بها مكروه فيهما وفي أحد منهما إلا ومحمد صلى الله عليه وسلم سببها، القائد إلى خيرها، والهادي إلى أرشدها" ... إلخ، فلتراجع .. انظر "مسالك الحنفا" للقسطلاني ص535 ..

فانتقاد من هو أعلاه قوله:

يا أكرم الرسل مالي من ألوذ به===سواك عند حلول الحادث العمم

وما بعدها من الأبيات أسلفنا أنه يتحدث فيها عن الشفاعة يوم القيامة ...

وقوله:

إن لم يكن في معادي آخذا بيدي===فضلا وإلا فقل يا زلة القدم

هي الحوض والكوثر، وأنه صلى الله عليه وسلم يشربنا بيديه الكريمتين شربة لا نظمأ بعدها أبدا، لا حرمنا الله وإياكم من ذلك ..

وقوله:

فإن لي ذمة منه بتسميتي===محمدا، وهو أوفى الناس بالذمم

وردت أحاديث ضعيفة في الموضوع، ذكرها ابن القيم في كتابه في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا ابن الرصاع في شرحه لأسماء النبي صلى الله عليه وسلم، ومثل ذلك يعمل به في الفضائل، ويستأنس به، ولا يعد ضلالا ولا كفرا بحال، خاصة في الشعر والتملق والتحبب فإنه مما لا حرج من ذكره ... لأن الباب فيه واسع إجماعا ..

وقوله:

ولا التمست غنى الدارين من يده===إلا ونلت الرضا من خير مستلم

هو كلام الشافعي أعلاه، بمعنى أن الاهتداء بهديه، والاقتفاء لأثره صلى الله عليه وسلم يوجب خير الدنيا والآخرة، والأحاديث والآثار كثيرة في هذا، منها: "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له"، وهذا مما لا يشك مؤمن فيه ...

وقوله:

لولاه لم تخرج الدنيا من العدم

العدم لغة كما في "اللسان" و"التاج": الحمق، وفقدان الشيء، وهو كناية عن الضلال والزيغ والكفر، ولا شك أنه لولا النبي محمد صلى الله عليه وسلم لم تخرج الدنيا من الكفر والضلال والضياع، فهو خاتم الأنبياء والمرسلين، وسيد الغر المحجلين، والذي قال فيه تعالى: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم}، وقد كان العالم في كفر وجهل عميق حتى بعث الله تعالى نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم، فنسخ به الأديان، ولم يقبل تعالى إيمان أحد إلا بالإيمان به صلى الله عليه وسلم، فأخرجها الله تعالى به من العدم والجهل، ألم تر الحق تعالى يقول في سورة الضحى: {ألم يجدك يتيما فآوى. ووجدك ضالا فهدى. ووجدك عائلا فأغنى}؟، فما بالك في بقية

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير