تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

طرحنا هذا السؤال على شيخنا الأستاذ أحمد راتب النفاخ علامة الشام طيب لله ثراه، فأرسل به إلى صديقه الأستاذ الدكتور صلاح الدين المنجد أول مدير لمعهد المخطوطات ليعود الجواب مخيباً للآمال، فتصوير المخطوطات من مكتبات تركية من الصعوبة بمكان، وهو من المحظورات التي يحاسب عليها القانون التركي بحزم لا هوادة فيه لكن ذلك لم يكن ليفتَّ في عضدنا فما نذرنا أنفسنا له أكبر من أن يحبسه حابس أو تعترضه عقبة. ومن ثم فقد رحنا نبحث عن كل ما من شأنه أن يذلل لنا الطريق ويضمن لنا التصوير.

زوَّدنا د. مراياتي بخطابين حبرهما المدير العام لمركز الدراسات والبحوث العلمية بدمشق موجهين إلى كل من السفير السوري في تركية ومدير المكتبة السليمانية باصطنبول.

وزودنا أحد العاملين في تصوير المخطوطات برسالة موجهة من الأستاذ الدكتور سهيل زكار إلى طالب موفد من جامعة دمشق يحضر الدكتوراه في كلية الآداب بجامعة اصطنبول. حملناها إليه مع اثني عشر ميكروفلم لو رآها شرطة الحدود للبثنا في السجن بضعة شهور، ولكن الله سلَّم!.

وحملنا إلى ذلك كله أصنافاً من الهدايا والتحف نقدمها بين يدي المهمة التي ارتحلنا في سبيلها عسانا نحظى ببغيتنا، ولكن هيهات!!.

وهكذا انتقل البحث من دمشق إلى اصطنبول، ومن الظاهرية إلى السليمانية حيث ترقد الكثرة الكاثرة من المخطوطات العربية الإسلامية رهينة المحبسين: الغربة، وخزائن الكتب. وبدأنا البحث ثمة عن ضالتنا في جذاذات الفهارس التي كتبت بالحروف اللاتينية فازدادت غربتها وانطمست معالمها، وضُرِب بينها وبين المطالع العربي بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب، ولكن العذاب يَعذُب حين تلوح من ورائه بارقة الأمل بالعثور على المفقود .. والكشف عن المخطوط الضائع.

وكان لنا ما أردنا، لقد وجدنا المخطوط الضائع، عثرنا على مفتاح الكنوز فما كان أشد فرحتنا‍ ‍وما كان أعظم سعادتنا.

أرأيت إلى الأعرابي يُضل بعيره في الصحراء ... ثم يجده بعد طول يأسٍ واغتمام .. ؟ .. أرأيت إلى الأم تفقد فلذة كبدها في متاهة ... ثم تلقاه بعد طول بعد وغياب .. ؟ .. أرأيت إلى الباحث الجاد يمضي مع بحثه خطوة خطوة .. يجمع مصادره .. ويجري تجاربه .. ويستقري كل أدواته .. ثم يؤتى بحثه أكله بعد طول عنت واستعصاء .. ؟ .. كذلك كانت فرحتنا يوم لقينا مخطوطنا الضائع "مفتاح الكنوز في إيضاح المرموز" لابن الدريهم الموصلي. وقد كتب اسمه في جذاذة الفهارس هكذا:

( Miftah Al Kunuz Fi Idah Al Marmoz) Ibn Al-durayhim Al Mowsili

لم نكد نصدق أعيننا حين قرأنا هذه التهجئة، ومن ثم هُرعنا إلى أمين المكتبة نأخذ طلب استعارة ونكتب ما رُقِن على الجذاذة حرفاً حرفاً نخشى أن نخطىء في حرف أو في رقم فيفلت الضائع منا .. وبتنا على أحر من الجمر دقائق حسبناها ساعات، أقبل علينا بعدها رجل يحمل الكنز المرتقب إنه هو "مفتاح الكنوز"‍ وإن مؤلفه ذلكم المجهول المُغَيَّب علي بن الدريهم الموصلي.

لم ننتظر إذناً بالتصوير أو نلتمس إلى ذلك سبيلاً وإنما عكفنا عليه ناسخين حتى أتينا عليه جميعاً من الجلدة إلى الجلدة ثم عارضنا ما نسخنا، حتى إذا ما تم لنا كل ذلك التفتنا نبتغي التصوير ونسعى إليه سعينا ملتمسين كل سبيل يمكن أن يوصلنا إليه.

سلمنا ما بأيدينا من رسائل محفوفة بالهدايا والتحف إلى مدير المكتبة وإلى القنصلية في اصطنبول فلم يُجدِ ذلك شيئا، وسعينا عند أساتذة أجلاء تعرفنا إليهم هناك فلم تُغنِ معرفتهم فتيلاً.

وصادف أن لقينا الأستاذ الدكتور صلاح الدين المنجد في السليمانية، ولم نكن نعرفه، وإنما دلنا عليه اسمه وقد كُتب على محفظة تكاد تحيلها السنون إلى مخطوطة لكثرة ما عانت من صحبة المخطوطات، اقتربنا منه على وجل وسألناه التعارف والمصاحبة فبذلهما لنا، ورأيتنا نكتنفه متوسلين أن يمدَّ لنا يد العون في تصوير المخطوط فما زادنا غير يأس وقنوط، بل راح يقرِّعنا لأننا لم نستمع إلى نصحه حين أرسل إليه شيخنا النفاخ يسأله عن تصوير المخطوطات في مكتبات تركية. وأكد لنا أن تصوير صفحة واحدة من مخطوطات السليمانية أمر محال.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير