كما فعل الإمام الزركشيُّ واستدرك على الإمامَيْنِ النوويِّ والرافعيِّ بعض المسائل التي وضعت في غير مظانِّها أيضًا, ولكنَّ استدراكات الإمام الزركشيِّ في كتابه (خفايا الزوايا) كانت على كتاب (روضة الطالبين) , وأصله الذي هو كتاب (فتح العزيز شرح الوجيز) , فقد استدرك عليهما وضع بعض المسائل في غير أبوابها.
وَأَرْجُو إنْ تَمَّ هَذَا الْمُخْتَصَرُ أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَى الشَّرْحِ لِلْمُحَرَّرِ
وقد تمَّ, ولله الحمد.
فهو مختصر للمحرَّر, وفي معنى الشرح للمادَّة, وفي زيادة القيود التي زادها.
وَقَدْ شَرَعْت فِي جَمْعِ جُزْءٍ لَطِيفٍ عَلَى صُورَةِ الشَّرْحِ لِدَقَائِقِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ، وَمَقْصُودِي بِهِ التَّنْبِيهُ عَلَى الْحِكْمَةِ فِي الْعُدُولِ عَنْ عِبَارَةِ الْمُحَرَّرِ، وَفِي إلْحَاقِ قَيْدٍ أَوْ حَرْفٍ أَوْ شَرْطٍ لِلْمَسْأَلَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ
هو كتاب (دقائق المنهاج) وفيه فوائد, ذكر فيه الإمام النوويُّ لماذا عدل عن بعض عبارات المحرَّر, ويكاد يكون شرحًا لغويًّا لألفاظ المنهاج.
وَأَكْثَرُ ذَلِكَ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا
ومنه ما ليس بضروريٍّ, ولكنَّه حسنٌ؛ كما قاله في زيادة لفظة (الطلاق) في قوله في الحيض:"فإذا انقطع لم يحلَّ قبل الغسل غير الصوم والطلاق". فإنَّ الطلاق لم يذكر قبلُ في المحرَّمات.
كتاب الطَّهَارَةِ
الكتاب لغةً الضمُّ والجمع, واصطلاحًا اسم لجملة مختصَّةٍ من العلم تشتمل على أبواب, والأبواب تشتمل على فصول, والفصول تشتمل على مسائلَ غالبًا.
فقوله (كتاب الطهارة) يقصد به جملة أحكام الطهارة, فعبَّر بالكتاب عن هذا, وبعض العلماء كصاحب تحفة المحتاج؛ ابن حجرٍ الهيتميِّ يقدِّر كلمة (أحكام) فيقول كتاب أحكام الطهارة, لكن الأوْلى إبقاء العبارة على ما هي عليه.
والطهارة: في اللغة: النظافة, والخلوص من الأدناس حسيَّة كانت أو معنويَّة, فالحسيَّة تكون في الأنجاس, والأحداث, والمعنويَّة كطهارة القلوب من أمراضها كالحسد والحقد وغيرهما من أمراض القلوب المنافية لكامل التوحيد.
وفي الاصطلاح: رفع حدث أو إزالة نجس أو ما في معناهما.
واعلم أنَّ الاصطلاح هو اتفاق طائفة على أمرٍ معلوم لهم متى أطلق انصرف إليه.
والحدث لغة: هو الأمر الحادث, واصطلاحًا هو أمر اعتباريٌّ يقوم بالأعضاء يمنع من صحة الصلاة حيث لامرخِّص.
والنجس: لغة: هو المستقذر, واصطلاحًا: مستقذر يمنع من صحة الصلاة حيث لامرخِّص.
أو ما في معناهما: أي ما في معنى رفع الحدث وإزالة النجس؛ كتجديد الوضوء, والاغتسال المسنون, والغسلة الثانية والثالثة, فالأولى هي التي رفعت الحدث لكن الثانية والثالثة لم ترفع حدثًا, ولم تُزل نجسًا لكنَّها في معنى رفع الحدث, وكذا في الغسلة الثانية والثالثة في النجاسة إذا كانت النجاسة لايُطلب فيها أكثر من غسلة, ومسألة التيمم, ونحو ذلك, يعني كلُّ ما لا يرفع حدثًا, ولا يزيل نجسًا في أصله, وإنَّما هو تابع لرفع الحدث وإزالة النجس ويكون في معنى رفع الحدث وإزالة النجس.
وهذا تعريف الإمام النوويِّ في كتاب (تحرير ألفاظ التنبيه).
وهذا التعريف اصطلاحيٌّ, لاشرعيٌّ؛ لأنَّ معنى الطهارة في المعنى الشرعي العام تعمُّ الظاهر والباطن, أمَّا عند الفقهاء فالظاهر فقط, لكنَّ هذا التعريف مستفاد من الشرع فإن أطلقنا عليه شرعًا فهو مجازي من باب إطلاق الكلِّ وإرادة الجزء أو اطلاق اسم الكل على الجزء.
واعلم أنَّ للطهارة مقاصد أي أنَّ الطهارة عند الفقهاء يُقصد بها, أو تعمُّ:الوضوء, والغسل والتيمم, وإزالة النجاسة, كلُّ هذه تسمَّى مقاصد الطهارة.
وهذه المقاصد تتحقق بوسائل: المياه, والتراب, والتخلُّل-أي صيرورة الخمر بنفسها خلًّا- والدِّباغ, وذكر بعضهم حجر الاستنجاء.
لماذا بدأ الفقهاء بكتاب الطهارة؟
لأنَّ الطهارة شرط للصلاة, والشرط مقدَّمٌ على المشروط.
ولماذا بدءوا بالصلاة؟
لأنَّ الصلاة الركن الأعظم بعد التوحيد, وهم لم يبدءوا بالتوحيد لأنَّه علم مستقلٌ, وله علماؤه المختصُّون به.
فأوَّل ركن عمليٌّ بعد التوحيد هو الصلاة, وأوَّل شرط من شروط الصلاة هو الطهارة فبدءوا بها.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا}
¥